تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا نص كلامه: "وعندما اكتملت سيطرة العناصر غير العربية على الدولة فى العصرالعباسى كادت دراسة اللغة تقتصر على المسلمين وحدهم نظرا لأنها تتم فى المساجد والمدارس الدينية، وارتبطت بحفظ القرآن. ولجأ المسيحيون إلى العلوم فبرعوا فيها وظهرت أجيال من الأطباء والفلاسفة وعلماء الرياضيات استعان بهم الخلفاء والأمراء، أما المسلمون فكادوا يغيبون عن ساحة العلم ودراسته فى مناخ من التردى الحضارى" (ص 97). فالمعروف أن النصارى فى تلك العهود قد استأثروا بترجمة العلوم، أما الاشتغال بالعلم ذاته فكان نصيب المسلمين فيه هو الأعظم، والأسماء المشهورة فى هذا المجال هى أسماء جابر بن حيان والحسن بن الهيثم وابن سينا والرازى وعلى بن عيسى والزهراوى وابن البيطار ورشيد الدين الصورى وابن رشد وابن أبى أُصَيْبِعَة وأبى جعفر الغافقى والبيرونى وأبى معشر البلخى والفرقانى والبوزجانى والخوارزمى وعبد اللطيف البغدادى وابن النفيس وعلى بن رضوان وابن الجزار وعمار بن على ... إلخ؟ وهو نفسه يعود فيذكر أسماء بعض العلماء العرب المسلمين هادما بذلك ما قاله قبلا عن انفراد النصارى تقريبا بالعلوم فى مقابل انفراد المسلمين بالأدب واللغة (ص 100).

ومما لا نوافق سيادته عليه أيضا اتخاذُُه من استحالة إلمام أى شخص بجميع مفردات العربية وأشعارها تكأةً للهجوم على الفصحى وقواعدها والدعوة إلى هجرانها والاستعاضة عنها بلغةٍ لا إعرابَ فيها ولا مترادفاتِ ولا تثنيةَ ولا تأنيثَ مما أفضنا فى مناقشته من قبل (ص115)، إذ إن هذا العجز غير خاص بلغتنا وشعرها، بل يصدق على حميع اللغات. وهذه هى طبيعة الحياة كلها لا الأدب والشعر فحسب، فلكلٍّ منا من أىّ شىء فى الدنيا نصيب محدود لا يعدوه رغم ترامى أطراف الأرض وكثرة الخيرات الإلهية. ترى هل يمكن أن يملك أى إنسان جميع السيارات مثلا أو جميع البيوت أو جميع الحقول أو جميع الكتب أو جميع المصانع أو جميع الأحذية التى فى الدنيا؟ فلماذا يحاول الكاتب أن يوهمنا بأن فى عجز العربى، مهما كان نصيبه من الثقافة اللغوية، عن استيعاب مفردات لغته كلها فى عقله ما يدعو إلى الاستغراب وما يستلزم فوق ذلك أن نهجر هذه اللغة إلى لغة أخرى ليس فيها كل هذه المفردات التى تتضمنها الفصحى والتى تصل، كما يقول، إلى مليونَىْ كلمة؟ وهنا نراه ينعَى على العربية خلوها من المعاجم العملية السهلة الموجودة فى اللغات الأخرى (ص 115). ولست فى الحقيقة أعرف ماذا يقصد مؤلفنا بخُلُوّ لغتنا من هذا اللون من المعاجم، فالمعروف أن هناك معاجم عربية كثيرة، لكن المشكلة تكمن فى أن العرب لا يهتمون بالثقافة والقراءة عموما، وبخاصة فى ميدان اللغة، اللهم إلا المتخصصين، أما سائر أفراد الشعب فهم فى عمومهم فى واد، والاهتمامات الثقافية فى واد. وحتى إذا كان يقصد بالمعاجم السهلة العملية تلك التى تُرَتَّب فيها الكلمات بناء على رسمها لا على جذرها اللغوى كما هو متبع فى المعاجم العربية الأصيلة، فهذا الضرب من المعاجم موجود عندنا أيضا. ولدىَّ فى مكتبتى الخاصة عدد منها رغم أنى أفضِّل الطريقة المعجمية التقليدية لملاءمتها لطبيعة لغتنا، لكنى اشتريتها من باب اقتناء كل ما أستطيع اقتناءه من الجديد فى ميدان اللغة والأدب، ولتكون أيضا فى متناول أولادى الصغار إذا ما أرادوا أن يبحثوا عن معنى كلمة دون أن يرهقوا أنفسهم فى البحث عن أصل مادتها. ومن هذه المعاجم "منجد الطلاب" و"الرائد" و"لاروس" وغيرها. وتتجاوز المعاجم ودوائر المعارف التى فى مكتبتى فى كل ما يخطر على البال تقريبا من العلوم والفنون مائتين رغم أنها ليست من المكتبات الغنية التى أراها أو أسمع بها عند بعض العلماء. إلا أننى حريص أشد الحرص على امتلاك أكبر عدد ممكن من هذا الضرب من الكتب لأنها تسهل الوصول إلى المعلومات التى أبغيها فى أسرع وقت وبأوجز عبارة. لكن كم من خريجى أقسام اللغة العربية، ودعنا من خريجى الأقسام الأخرى، يهتم بأن يكون فى بيته معجم، أو أن يفتح أى كتاب أصلا؟ هذه هى المشكلة لا اللغة العربية وصعوبتها المزعومة! وأنتهز الآن الفرصة لأُعِيد القول هنا بصوتٍ عالٍ وبملء فمى إن مثل هذه المزاعم والشكاوَى سوف تختفى وتصبح فى خبر "كان" يوم يُقْبِل العرب على القراءة ويهتمون بترقية عقولهم وأذواقهم كما يهتمون ببطونهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير