تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القراء بوجهٍ عامٍّ آياتِ القرآن وأحاديثَ النبىّ، وكتب التفسير والفقه وغيرها من المؤلفات التراثية؟ إن الكاتب يبدو وكأنه يتحدث عن مخلوقات تعيش فى الفضاء الخارجى لا نعرف عنهم شيئا إلا ما تحكيه الأساطير والقصص الخرافية، فهو يأخذ راحته تماما فى الحديث عنهم وعن غرائب أحوالهم مطمئنًّا إلى أن أحدا لن يستطيع أن يعقِّب على ما يقول! ثم بالله عليكم أيها القراء، هل يُعْقَل أنه إذا ذهب واحد مثلى إلى البقال وأصابه خَبَلٌ فى عقله (بعد الشر!) وقال له: " أعطنى يا بُنَىَّ رغيفا من الخبز، وزِدْ عليه قطعة من الجبن"، أن البقال لن يفهم من هذا الكلام شيئا كما يزعم أ. الشوباشى؟ طيب ما رأيك يا أ. شوباشى أنى أنا نفسى قد فهمت هذه الجملة من أول وهلة؟ تَصَوَّرْ! ألست أستحق منك جائزة؟ لا تضحكوا من فضلكم أيها القراء الكرام من منطقى هذا فى الرد، فإن مثل تلك الدعوى لا يُرَدّ عليها إلا بذاك المنطق! والواقع أن هذا الكلام هو من عيّنة الزعم المضحك بأن المجمع اللغوى يقول فى تسمية الساندويتش: "شاطر ومشطور وبينهما طازج"! ومن الغرائب فى هذا السياق قول المؤلف إن العربى فى كل العصور والأزمنة كان يهجر الفصحى ويلجأ إلى العامية يعبر بها عما فى صدره حتى إنه لو ذهب لحبيبته وقال لها: "أنا هائم فى غرامك" أو "وجهك الصبوح يهز كيانى" لانتهت العلاقة بينهما بهذا الغزل البليغ (ص 135). وطبعا لو أنه، بدلا من هذا، غازلها بالفرنسية التى لا تعرف منها حرفا فلسوف ترتمى على صدره من فورها وتُكَلْبِش فيه واقعةً لشوشتها فى هواه، ولن يستطيع أحد عندئذ أن يفكّه منها ولو بالطبل البلدى! لكن ماذا تقول يا أستاذ فى كل الغزل العربى طوال الخمسة عشر قرنا الماضية وزيادة، وقد كان كله بالفصحى، اللهم إلا الأغانى العاطفية فى العقود الأخيرة، بل كانت رسائل بعض الشعراء إلى حبائبهم بهذه اللغة كما فعل بشار والعباس بن الأحنف وابن زيدون والبهاء زهير، لا بالعامية كما تظن أنت؟ ملعوبة هذه؟ أليس كذلك؟ وما رأيك فى أن المحبين والمحبّات، حتى فى عصرنا هذا، حين يكتب بعضهم لبعض رسائل غرامية إنما يكتبونها عادة بالفصحى، ويبكون إذا استمعوا إلى الأغانى الفصيحة من مثل: "أيظن؟ " أو "لا تكذبى"، أو "رسالة من امرأة مجهولة" أو "لستَ قلبى" أو "حبيبَها" أو "قصة الأمس" أو "أراك عَصِىَّ الدمع" أو "فَجْر" أو "جبل التَّوْباد" أو "عُدْتَ يا يوم مولدى" أو "أشواق" أو "لا تُوَدِّعْنى حبيبى"؟ بل إنهم حينما يبكون إنما يبكون بالفصحى! ما رأيك فى هذه أيضا؟ ملعوبة؟ ألا توافقنى على هذا؟ حتى أحمد رمزى فى الفِلْم المشهور الذى لا أعرف عنوانه، والذى كان يقوم بدور السّنّيد فيه كالعادة الأستاذ غراب (عبد السلام النابلسى)، كان يستعين بسعد عبد الوهاب فى كتابة الخطابات الملتهبة للممثلة إيمان باللغة الفصيحة مما لا تُعَدّ الجملتان اللتان استشهدتَ بهما سيادتك بجانبه شيئا بالمرة! أتستطيع أن تنكر هذه الواقعة أيضا؟ إنك إن فعلت فسوف أرفع دعوى قضائية وأطلب شهادة الممثلَيْن المذكورَيْن، ولا أظنهما يجحدان الشهادة، وإلا فهناك نسخة الفلم، وهى لا يمكن أن تغير ذمتها! وقِسْ على ذلك الفلم غيره من الأفلام!

وبعد، فقد آن لنا أن نلقى القلم ونستريح، ولكن قبل أن نفعل لا بد أن نبين للقراء ماذا نقصد بكلمة "عبقرية" حين نصف بها لغتنا الفصحى: أول شىء أنها لغة طويلة العمر، إذ يبلغ عمرها أكثر من ستة عشر قرنا بكثير، وهذه الخصيصة دليل على أصالتها وعلى أن فيها سرًّا وبركة، وإلا ما استطاعت أن تقوم بحاجات أجدادنا وآبائنا ثم حاجاتنا نحن أيضا على مدار هذا التاريخ الطويل الذى لم يهبه اللهُ للغةٍ غيرها. لكن أ. الشوباشى لا يستطيع أن يدرك هذا المعنى، ونحن ندعو الله له بالاهتداء إلى إدراكه حتى لا يتجنى على هذه اللغة العبقرية. وثانى شىء أنها تخلو من التنافر فى حروف كلماتها بحيث لا تجد فيها مثلا كلمة تحتوى على "دال" يوجد قبلها أو بعدها "طاء" أو "ظاء"، أو كلمة تحتوى على "جيم" يجىء قبلها أو بعدها "غين"، أو كلمة تحتوى على "سين" يأتى قبلها أو بعدها "شين" ... إلخ. وعلى هذا فأنت حين تقرؤها أو تتكلمها لن تجد فيها ما يثقل على لسانك أو أذنك أو ذوقك. بل إنها لا تقبل أن تكون فيها كلمة تبدأ بحرف ساكن. وهذا وذاك مما لا يتوفر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير