ولكن التأكيد على علاقة عمر وعلي، رضي الله عنهما، مما يجب التنبيه عليه في كل مناسبة، فهو أمر تاريخي ثابت لا ينكره إلا جاحد، وقد اعترف عقلاء القوم بوجود هذه العلاقة الحميمة بين الرجلين، وزواج عمر من أم كلثوم بنت علي وفاطمة أشهر من أن يذكر، ومكانة علي، رضي الله عنه، وأقضيته في عهد عمر، قد سارت بها الركبان حتى صار قول عمر: قضية ولا أبا حسن لها، مثلا يذكر في كتب اللغة، ونقل السيوطي، رحمه الله، في "تاريخ الخلفاء" ما أخرجه الحاكم، رحمه الله، من طريق سعيد بن المسيب، قال: كان عمر بن الخطاب يتعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو حسن، "تاريخ الخلفاء"، ص150، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحاكم، رحمه الله، قد وقع له نوع تساهل في مستدركه لا سيما في أحاديث الفضائل، فقد وافته المنية قبل تبييض كتابه، فقمش، ولم يمهله القدر ليفتش، فلا تقبل أحاديث مستدركه إلا بعد النظر في أسانيدها.
على أنه ليس في هذا الخبر ما يستنكر، فعلي، رضي الله عنه، هو من هو في علمه وفضله.
وتقبيل عمر لرأس علي، رضي الله عنهما، وقوله: لا بارك الله في أرض ليس فيها أبو حسن، أو كلمة نحوها، أشهر هو الآخر، من أن يذكر، ولا أدري صحة إسناده وإنما استشهدت به لفرط شهرته، على أنه هو الآخر ليس فيه ما يستنكر، ونحن نقول قريبا من قول عمر:
لا بارك الله في قوم نصبوا العداء لعلي وآل البيت رضوان الله عليهم.
وفي المقابل: لا بارك الله في قوم نصبوا العداء لصحب محمد صلى الله عليه وسلم: صفوة البشر بعد الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
وأما أمير المؤمنين، ملك الإسلام، كما يصفه الحافظ الذهبي، رحمه الله، أبو عبد الرحمن، معاوية بن أبي سفيان القرشي الأموي المكي، وهو المعني أصالة بهذه الهجمة الشرسة، فهو:
أول خلفاء الدولة الأموية وأعظمهم.
وهو أحد كتاب الوحي كما في خبر ابن عباس رضي الله عنهما.
وخبر عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، وفيه: كان معاوية يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطلق ولم يقيد كما قيد ابن عباس، وأيا كان الأمر، فمجرد استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له منقبة عظيمة، وقد استعمل عليه الصلاة والسلام نفرا من بني أمية، لأنهم كانوا، كثيرين، وكان فيهم شرف وسؤدد، وهذا ملمح أصيل في منهج محمد صلى الله عليه وسلم في
صناعة الرجال، فلكل مواهب لا توجد عند الآخر، فللشورى أقوام من ذوي الأسنان والأحلام كالصديقين، رضوان الله عليهما، وللحرب أقوام من ذوي الشجاعة والبأس كعلي وحمزة وخالد وأبي دجانة والبراء بن مالك، رضوان الله عليهم، وللكتابة بين يديه أقوام كـ: زيد بن ثابت ومعاوية، رضوان الله عليهما، ولكتم الأسرار رجال كـ: حذيفة، رضي الله عنه، وللأمانة رجال كـ: أبي عبيدة الجراح، أمين الأمة، رضي الله عنه، وللقرآن رجال كـ: أبي بن كعب، رضي الله عنه، وللفقه والعلم رجال كمعاذ، رضي الله عنه، وللإمارة والسياسة رجال كـ: عمرو بن العاص، رضي الله عنه، وللشعر والدعاية لدين الله، عز وجل، رجال كـ: حسان بن ثابت، رضي الله عنه، وهكذا، لكل رجل دور في نصرة الدين لا يقوم به إلا هو، فكل على ثغر، وما أكثر ثغور هذا الدين الذي حورب منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى الآن وإلى ما شاء الله.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وكان بنو أمية أكثر القبائل عمالا للنبي صلى الله عليه و سلم فإنه لما فتح مكة استعمل عليها عتاب بن أسيد على مكة أفضل البقاع، واستعمل خالد بن سعيد بن العاص بن أمية وأخويه أبان بن سعيد وسعيد بن سعيد على أعمال أخر واستعمل أبا سفيان بن حرب بن أمية على نجران أو ابنه يزيد ومات وهو عليها وصاهر نبي الله صلى الله عليه وسلم ببناته الثلاثة لبني أمية فزوج أكبر بناته زينب بأبي العاص بن الربيع بن أمية بن عبد شمس".
بتصرف يسير من "منهاج السنة"، (4/ 144، 145).
وهذا مما يؤكد بطلان كل الأحاديث التي رويت في ذم بني أمية، إذ كيف يذمهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم هو يكثر من استعمالهم، وإلى هذه النكتة أشار القاضي أبو بكر بن العربي، رحمه الله، بقوله:
¥