"وعجبا لاستكثار الناس ولاية بني أمية، وأول من عقد لهم الولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه ولى يوم الفتح عتاب بن أسيد مكة، حرم الله وخير بلاده، وهو فتى السن قد أبقل أو لم يبقل. واستكتب معاوية بن أبي سفيان أمينا على وحيه. ثم ولى أبو بكر يزيد بن أبي سفيان، أخاه، الشام. وما زالوا بعد ذلك يتوقلون في سبيل المجد، ويترقون في درج العز، حتى أنهتهم الأيام إلى منازل الكرام.
وقد روى الناس أحاديث فيهم لا أصل لها، منها حديث رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بني أمية ينزون على منبره كالقردة، فعز ذلك عليه، فأعطي ليلة القدر خير من ألف شهر يملكها بنو أمية بعده. ولو كان هذا صحيحا ما استفتح الحال بولايتهم، ولأمكن لهم في الأرض بأفضل بقاعها وهي مكة. وهذا أصل يجب أن تشد عليه اليد".
بتصرف يسير من "العواصم من القواصم"، ص192.
وقد ذكر صاحب منهاج الكرامة أحاديث في ذم معاوية، رضي الله عنه، تدل على مدى جهله الفاضح بالتاريخ، إذ فيها أن معاوية كان يحضر خطب النبي صلى الله عليه وسلم برفقة ابنه يزيد!!!!، مع أن معاوية لم يتزوج إلا في عهد عثمان، رضي الله عنه، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من عشر سنوات، فأنى له بيزيد؟!!!، ولازم هذا الكلام أن يزيد ممن له صحبة، وهذا مما يعلم بطلانه جمهور المسلمين فمن من المسلمين يقول بأن: يزيد بن معاوية صحابي؟!!!، باستثناء طائفة غلت فيه فادعت له الصحبة، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، إذ يقول:
"والطرف الثانى، أي: في يزيد، يظنون أنه كان رجلا صالحا وإمام عدل وأنه كان من الصحابة الذين ولدوا على عهد النبي وحمله على يديه وبرك عليه وربما فضله بعضهم على أبى بكر وعمر وربما جعله بعضهم نبيا!!!!! ".
"مجموع الفتاوى"، (4/ 482)، وانظر: "العواصم من القواصم"، ص190، 191.
والبدعة لا ترد ببدعة، والغلو لا يقابل بغلو.
وفي مسند أحمد رحمه الله:
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية: " اللهم علم معاوية الكتاب، والحساب، وقه العذاب"، وفي سنده: الحارث بن زياد الشامي، قال الحافظ، رحمه الله، في "التقريب": لين الحديث، وباقي رجاله ثقات.
وله شاهد من طريق أبي مسهر: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أن النبي قال لمعاوية: "اللهم علمه الكتاب، والحساب، وقه العذاب"، ورجاله ثقات إلا أن سعيد بن عبد العزيز قد اختلط، وهو شاهد لما قبله، ونسبه الحافظ في "الإصابة" في ترجمة عبد الله بن أبي عميرة المزني إلى الطبراني.
ومن حديث مسلمة بن مخلد رضي الله عنه: " اللهم علمه الكتاب، ومكن له في البلاد، وقه العذاب".
وفيه رجل مجهول، وجاء نحوه من مراسيل الزهري، ومراسيل عروة بن رويم، وحريز بن عثمان.
ومن طريق مروان بن محمد: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، حدثني ربيعة بن يزيد، سمعت عبدالرحمن بن أبي عميرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية: "اللهم اجعله هاديا، مهديا، واهد به".
حسنه الترمذي.
فالحديث بمجموع طرقه يخرج من دائرة الضعف إلى دائرة الحسن، لأن ضعف كل طريق منها غير شديد ينجبر بمثله، والله أعلم.
وقد استقصى الذهبي، رحمه الله، في السير، الأحاديث التي جاءت في فضل معاوية، ثم ختمها بقوله:
فهذه أحاديث مقاربة.
ثم أشار إلى الأحاديث التي وضعت في فضله، وخاصة عند ابن عساكر، رحمه الله، في "تاريخ دمشق".
وذهب ابن راهويه، رحمه الله، إلى أنه:
لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل معاوية شيء.
ولا يعني هذا القول القدح فيه، على فرض التسليم بصحته، فكل حديث فيه فضل الصحبة العام يدخل فيه معاوية باعتباره أحد الصحب الكرام رضوان الله عليهم.
¥