تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فضلا عن كون معاوية، رضي الله عنه، ممن اشتهر حاله بحيث استغنى عن التزكية، فرجال كـ:

مالك، رحمه الله، الذي اشتهرت عدالته حتى صارت تزكيته عيا من الكلام، إذ هي من باب تحصيل الحاصل، كما أشار إلى ذلك القاضي أبو بكر الباقلاني، رحمه الله، بقوله:

"الشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية إذا لم يكونا مشهورين بالعدالة والرضا، وكان أمرهما مشكلا ملتبسا، ومجوزا فيهما العدالة وغيرها.

والدليل على ذلك: أن العلم بظهور سرهما واشتهار عدالتهما أقوى في النفوس من تعديل واحد واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة". اهـ

وإليه أشار إلى ذلك الحافظ العراقي، رحمه الله، بقوله:

وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ******* تزكية كـ: "مالك" نجم السنن.

وكـ: "إسحاق بن راهويه"، رحمه الله، الذي سئل عنه أحمد، رحمه الله، فقال مستنكرا: "مثل إسحاق يسأل عنه؟!!! ".

وكـ: "أبي عبيد القاسم بن سلام"، رحمه الله، الذي سئل عنه ابن معين، رحمه الله، فقال هو الآخر مستنكرا: "مثلي يسأل عن أبي عبيد؟!!!، أبو عبيد يسأل عنه الناس".

رجال كهؤلاء، إن كان تعديل أحدهم أمرا مسلما، مع أنهم من طبقة تابعي التابعين، أو حتى صغارهم، فهم من آخر قرن من القرون المفضلة، فكيف بتعديل صحابي ثبتت صحبته بالإجماع؟!!!.

فضلا عن كون تزكية النبي صلى الله عليه وسلم له ثابتة بمجموع طرقها التي ترتقي لمرتبة الحسن كما تقدم.

فضلا عن تزكية الله، عز وجل، لطبقة الصحابة، رضوان الله عليهم، تزكية بلغت حد التواتر، ومعاوية أحدهم، وهي تزكية لا يحتاج معها إلى تزكية أحد، وهذا كله من باب التنزل مع الخصم، وإلا فالمسألة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.

وأما دولة معاوية، رضي الله عنه، فقد كانت دولة عز ورخاء للإسلام، مكن الله، عز وجل، فيها لدينه، فاتسعت رقعة دولته، واستأنف المسلمون، فتوحاتهم بعد تنازل أمير المؤمنين الحسن بن علي، رضي الله عنه، عن الخلافة لمعاوية، فتحققت البشارة النبوية في حقه، وتوحدت الجماعة المسلمة بعد افتراقها، والتفتت إلى المهمة السامية التي اختارها الله، عز وجل، للاضطلاع بها، فكان الصلح فتحا للأمة المسلمة، والحمد لله على ما قضى وقدر.

ويشير ابن خلدون، رحمه الله، إلى دولة معاوية، رضي الله عنه، بقوله:

(إن دولة معاوية وأخباره كان ينبغي أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين وأخبارهم فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة).

"تاريخ ابن خلدون"، (2/ 458)، نقلا عن تعليقات الشيخ محب الدين على "العواصم من القواصم"، ص164.

والتحقيق أن في هذا الكلام نوع مبالغة، إذ دولة الخلفاء الراشدين، رضوان الله عليهم، لا نظير لها فيما أتى بعدها من دول، إذ كانت خلافة النبوة التي امتدت ثلاثين سنة، برهانا عمليا، على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يكن الله، عز وجل، ليمكن لهذه الثلة المباركة، لو كانت على باطل، وما كان الله، عز وجل، لينصر دينه بأقوام بدلوا وغيروا، بعد قبض نبيهم، فقام الأربعة الراشدون بها خير قيام، فبحلم ولين الصديق، وشدة وقوة عمر، وسخاء وبذل عثمان، وشجاعة وبأس علي، رضوان الله عليهم، قامت دولة الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فضلا عما اشتركوا فيه من خصال لم تجتمع في أحد بعدهم من: علم وحكمة وحسن سياسة ........ إلخ على تفاوت بينهم تبعا لترتيبهم في تولي الأمر، وأنى لدولة معاوية، رضي الله عنه، مع ما لها من السبق والفضل، أن تبلغ ما بلغته دولة الراشدين الأربعة، وأنى لمعاوية، رضي الله عنه، أن يساميهم في المكانة والسبق، وهم خير من وطئ الثرى بعد الأنبياء والمرسلين، وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير