سفر شيخ الإسلام أبي العباس بن تيمية، رحمه الله، "منهاج السنة" في الرد على "منهاج الكرامة"، فهو عمدة في بابه، ومرجع لكل من صنف في هذه المسألة بعده، وفيه من الدفاع عن معتقد أهل السنة في مسألة الصحابة، رضوان الله عليهم، ورد الشبهات الباردة السمجة، ما لا يوجد في غيره، بالإضافة إلى مناقشات مفصلة لمذاهب الفلاسفة والمعتزلة والأشاعرة في المواضع التي انتقى فيها صاحب منهاج الكرامة آراء الأشاعرة المخالفة لمذهب أهل السنة في بعض المسائل العلمية محاولا ترويجها على أنها معتقد أهل السنة الحقيقي، وفيه ردود فقهية وتأصيلات شرعية نفيسة، فالكتاب في مجمله ثروة علمية بحيث يصدق عليه قول من قال بأنه لو لم يصنف ابن تيمية إلا هذا السفر لكفاه.
وتجدر الإشارة، أيضا، إلى أسلوب خبيث اتبعه القوم، إذ نسبوا بعض الكتب المنحولة إلى أئمة أعلام من أئمة أهل السنة، زورا وبهتانا، في محاولة يائسة لتشكيك أهل السنة في ثوابت دينهم كما مر في:
كتاب: "الإمامة والسياسة"، المنسوب لابن قتيبة، رحمه الله، إذ فند الشيخ محب الدين الخطيب، رحمه الله، نسبة هذا الكتاب لابن قتيبة، إذ مؤلفه يروي كثيرا عن اثنين من كبار علماء مصر، وابن قتيبة لم يدخل مصر أصلا، ولم يأخذ عن هذين العالمين، وهذا من أمارات وضع الكتاب عليه، ترويجا له.
بتصرف من تعليقات الشيخ محب الدين على "العواصم من القواصم"، ص203.
وكذا كتاب: "سر العالمين"، المنسوب، للإمام الغزالي، رحمه الله، إذ نسبه المفترون إليه، وشحنوه بالهذيان، وذكروا في خطبته على لسان الغزالي، رحمه الله، وصيته بكتمان هذا السر وحفظ هذه الأمانة، وأنه قال: ما ذكر في هذا الكتاب فهو عقيدتي وما ذكر في غيره فهو للمداهنة!!!!، أي أن الغزالي، رحمه الله، وهو الذي هنك أسرار الباطنية، في مصنف مستقل، كان محتالا يظهر خلاف ما يبطن، مع أن الثابت عنه أنه مات على أحسن أحواله، إذ كان مشتغلا بحفظ الحديث، حتى قيل بأنه مات وصحيح البخاري على صدره.
وقد ظهر كذب هذه النسبة حتى للمستشرقين الذين ذهب ثلاثة منهم إلى القول بأنه منحول.
يقول عبد الرحمن بدوي:
"والأمر الذي يقطع بأن الكتاب ليس للغزالي هو ما ورد في: صفحة 82 من قوله: أنشدني المعري لنفسه وأنا شاب في صحبته يوسف بن علي، شيخ الإسلام، مع أن المعري توفي سنة 448 هـ، بينما ولد الغزالي سنة 450 هـ، فكيف ينشده لنفسه؟!!!!! ".
نقلا عن: رسالة "حقيقة الصحيفة السجادية"، للشيخ الدكتور ناصر القفاري، حفظه الله، ص41.
فالغزالي قد ولد بعد وفاة المعري بعامين، فلم يعاصره، ولو رضيعا!!!!.
وقد أشار الذهبي، رحمه الله، في ترجمة أبي حامد، رحمه الله، في "السير" إلى طرف من ذلك فقال:
ولأبي المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في كتاب " رياض الأفهام " في مناقب أهل البيت قال: ذكر أبو حامد في كتابه " سر العالمين وكشف ما في الدارين " فقال في حديث: " من كنت مولاه، فعلي مولاه "، أن عمر قال لعلي: بخ بخ، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
قال أبو حامد: وهذا تسليم ورضى، ثم بعد هذا غلب عليه الهوى حبا للرياسة، وعقد البنود، وأمر الخلافة ونهيها، فحملهم على الخلاف، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما يشترون، وسرد كثيرا من هذا الكلام الفسل الذي يزعمه القوم، وما أدري ما عذره في هذا؟ والظاهر أنه رجع عنه، وتبع الحق، فإن الرجل من بحور العلم، والله أعلم.
هذا إن لم يكن هذا وضع هذا وما ذاك ببعيد، ففي هذا التأليف بلايا لا تتطبب. اهـ، بتصرف من كلام الذهبي رحمه الله.
وإن كانت "الولاية" هنا، بفتح الواو، لا كسرها، وهي النصرة والمحبة لا الولاية السياسية، بكسر الواو، على أن بعض العلماء جعلها بكسر الواو، من النصرة والمحبة، على أن صاحبها قد تلبس بها حتى عادت وظيفة من وظائف قلبه وجوارحه، فلا تخرج في الحالين عن: "النصرة والمحبة".
وحديثا:
¥