حاول صاحب كتاب "المراجعات"، نسبة أباطيل كتابه إلى شيخ الأزهر السابق، الشيخ: سليم البشري، رحمه الله، فادعى زورا وبهتانا عليه أنه أرسل إليه رسائل كثيرة دون أي توثيق أو أي صورة خطية لهذه الرسائل التي بلغت ستا وخمسين رسالة!!!!، بزعمه، مدعيا في نهاية الكتاب أن الشيخ البشري قد أقر بصحة مذهب المخالف وتحول إليه، ومما يؤكد إفكه: أن أول طبعة لهذا الكتاب نشرت عام 1355 هـ، بمدينة "صيدا" اللبنانية، أي: بعد عشرين سنة من وفاة الشيخ سليم المتوفى سنة 1335 هـ، ولم تنشر في حياته، وقد فند حفيده المستشار طارق البشري، كما ذكر أحد الفضلاء عندنا في مصر في رسالة ألفها عن مسألة "التقريب"، فند هذه الفرية التي ألصقت بجده.
بتصرف من رسالة "خدعة التقريب"، ص33، 34.
وأذكر أنني استمعت لمقتطفات من محاضرة ألقاها أحدهم، استشهد فيها بنص من "تفسير الدارقطني"، مع أن الإمام الدراقطني، إمام العلل الشهير، لم يصنف تفسيرا أصلا!!!!!!.
وهذه عادة القوم في الاستشهاد بما لا وجود له أصلا، يقول الشيخ الدكتور القفاري حفظه الله:
"وقد بلغت الحال بهم أنهم ينقلون من صحف أو كتب وهمية لا وجود لها أصلا، لذلك قال بعض المحققين بأنهم: "ينقلون ما يدل على مطاعن الصحابة، وما يستدل به على بطلان غير مذهبهم عن كتاب يعزون تأليفه إلى بعض كبراء أهل السنة، وذلك الكتاب لا يوجد تحت أديم السماء!!!! ".
وصور الوضع وأسماء الموضوعات كثيرة تستحق تأليفا خاصا.
ولا عجب فيمن كبوا على الله ورسوله أن يكذبوا على من دونهما.
"حقيقة الصحيفة السجادية"، ص41، 42.
وأخيرا: ما أجمل قول الحافظ الذهبي رحمه الله:
"فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق، واتضح من الطرفين، وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين، وتبصرنا، فعذرنا، واستغفرنا، وأحببنا باقتصاد، وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة، أو بخطأ إن شاء الله مغفور، وقلنا كما علمنا الله: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا) (الحشر: 10)، وترضينا أيضا عمن اعتزل الفريقين، كسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة، وسعيد بن زيد، وخلق.
وتبرأنا من الخوارج المارقين الذين حاربوا عليا، وكفروا الفريقين.
فالخوارج كلاب النار، قد مرقوا من الدين، ومع هذا فلا نقطع لهم بخلود النار، كما نقطع به لعبدة الاصنام والصلبان". اهـ
وقد بكى معاوية، رضي الله عنه، ابن عمه أمير المؤمنين عليا، رضي الله عنه، في قصة "ضرار بن حمزة الكناني"، التي رواها أبو نعيم، رحمه الله، لما سأله أن يصف له عليا، رضي الله عنه، فقال:
"أو تعفني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا أعفيك قال: أما إذا ولا بد فإنه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارة نجومه، يميل في محرابه قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا يتضرع إليه، ثم يقول للدنيا إلي تغررت؟ إلي تشوفت؟ هيهات هيهات، غري غيري، قد بتتك ثلاثا، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق، فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء فقال معاوية رضي الله عنه: كذا كان أبو الحسن رحمه الله، كيف وجدك عليه يا ضرار؟ قال: وجد من ذبح واحدها في حجرها لا ترقأ دمعتها ولا يسكن حزنها ثم قام فخرج".
وهكذا كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فحق لأمة أن تفخر بهم وتباهي سائر الأمم:
أولئك أصحاب النبي وحزبُه ... ولولاهم ما كان في الأرض مسلم
ولولاهم كادت تميد بأهلها ... ولكن رواسيها وأوتادُها هم
ولولاهم كانت ظلاما بأهلها ... ولكن هم فيها بدور وأنجم
وروى الحافظ ابن عساكر عن الإمام أبي زرعة الرازي أنه قال له رجل: إنى أبغض معاوية. فقال له: ولم؟ قال: لأنه قاتل علياً. فقال له أبو زرعة: ((ويحك، إن رب معاوية رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فإيش دخولك أنت بينهما، رضي الله عنهما!!!!))
بتصرف من تعليقات الشيخ محب الدين على "العواصم من القواصم"، ص164.
وقد مضى الرجل وابن عمه لربهما، ولم نؤمر إلا بالترضي عنهما، فعلام الدخول بينهما بما يفسد معتقد المسلمين ويفرق جماعتهم؟!!!!.
وإلى اليوم ما زالت عقارب الساعة متوقفة بالقوم عند أحداث السقيفة، وفدك، واستشهاد علي، رضي الله عنه، وتنازل الحسن، رضي الله عنه، عن الأمر لمعاوية، رضي الله عنه، واستشهاد الحسين، رضي الله عنه، ............... إلخ، وقد وفق الله، عز وجل، أهل السنة للخروج من خضم هذه الفتن وقد سلمت قلوبهم وألسنتهم من الطعن في صحب محمد صلى الله عليه وسلم.
وإلى الطاعنين في صحب محمد صلى الله عليه وسلم:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم ******* من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
فإن لم يكن دين فشيء من الحياء.
افتحوا أولا شبرا من الأرض التي فتحوها، أو أدخلوا فردا من الأمم التي أدخلوها في دين الله عز وجل، أدخلوه في الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ونقلوه لنا، ثم ننظر بعد ذلك في دعواكم: أصدقتم أم كنتم من الكاذبين، ولا يشك عاقل في كذبكم، وإنما هو من باب التنزل معكم لا أكثر!!!!.
والله أعلى وأعلم.
وعذرا على الإطالة.
¥