تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإن من عظيم نعم الله تعالى علينا أن نرى بيننا شباباً حملوا على عاتقهم تحقيق هذه الشعيرة، فتراهم في جهود تتوالى، قل أن تغمض جفونهم، أو تستريح أبدانهم، فكم من خير نشروه، وكم من منكر في مهده قتلوه، وكم من حرمات كادت أن تنتهك حالوا دون انتهاكها، وقطعوا على الشيطان طريقة فيها.

وحُق لهم أن يهدى لهم كلام الإمام أحمد في رسالة له إلى مسدد بن مسرْهد حيث يقول: "الحمد لله الذي جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم، والتقى، يدعون من ضل إلى الهدى، وينهون عن الفساد والردى، ويحيون بكتاب الله الموتى، وبسنة رسول الله أهل الجهالة والعمى، فكم من قتيل لإبليس أحيوه، وكم من ضال هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس ينفون عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وأعمال المفسدين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا أعنّة الفتنة" ا. هـ.

وإن من نافلة القول أن يُتحدث عن عظيم الثغر الذي يسدّه أولئك المرابطون، فإن ذلك أجلى من الشمس في ضحاها، وليس يخفى إلا على من انطفئت بصيرته فانقلبت عند الموازين. وإن هذه الطائفة لما قطعت على أهل الباطل باطلهم، فلا عجب أن يسعى أهل الباطل بنفث سمومهم عليها فيلصقون الأكاذيب، ويهولون الأخطاء، وكأنهم يريدونها طائفة معصومة عن كل خطأ، فسحبان الله.

من ذا الذي ما ساء قط ** ومن له الحسنى فقط

فلا تحلو المجالس لكثير إلا بالنيل من أمثال هؤلاء، فهذا يروي قصة، وهذا يزيد، وهذا ينقص، وما دروا أنهم خرموا حرمة عظّم الله قدرها في كتابه، وكان حقيقة استهزائهم لا على أشخاص لذواتهم، ولكن لما حملوه على عاتقهم، وهو أمر من أمور الدين عظيم، فليخش أولئك من قول الله تعالى {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ} (65) {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} (66) سورة التوبة. ثم إن ذلك وعشرات أمثاله، لا يضير أولئك المحتسبين شيئاً، بل تلك سبيل قديمة، وسنة تتوالى، قد أدركها عمير بن حبيب بن حماسة الصحابي الجليل في زمن من أفضل الأزمان حين قال لأولاده وصيةٌ لهم "إذا أراد أحدكم أن يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر فليوطَّن نفسه على الصبر والأذى وليوقن بالثواب من الله، فإنه من يثق بالثواب من الله لا يجد مس الأذى"".

طريق الأنبياء

ويقول الشيخ ماجد بن عبد الرحمن الفريان جامع سليمان بن مقيرن الرياض:

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس فضولاً وليس تدخلاً في الآخرين وإنما هو قيام بواجب أوجبه الله ولو انتشر هذا الفهم لانتفش النفاق وغرد، بحجة الكياسة وعدم التدخل في الآخرين، ولعزل الحق واضمحل، بوصمه بالفضولية والتدخل في شؤون الآخرين، قال الإمام أحمد رحمه الله: إن المنافق إذا خالط أهل الإيمان فأثمرتْ عدواهُ ثمرتَها صار المؤمن بين الناس معزولاً؛ لأن المنافق يصمت عن المنكر وأهله، فيصفه الناس بالكياسة والبعد عن الفضول، ولا يسع المؤمن السكوت عن المنكر فيسمونه فضولياً.

ونقول: يا من تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر إن الوصف بالفضولي هو أقل ما سيأتيك. وعلى كل حال فإن الذي يظن أنه باستطاعته أن يسير في دروب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقوماً للمعوج ومحارباً للأهواء والشهوات وناصراً للمظلوم ثم لا يلحقه شيء مما لحق بهم، فهو واهم في ذلك، وإلى هذا أشار لقمان وهو يعظ ابنه حين قال: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (17) سورة لقمان فقد أشعر ابنه بما يلحقه من الأذية إذا هو قام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إن المجتمع الإسلامي إنما هو كالسفينة توحدت عقائده وتوحد اتجاه سيره وتوحدت غاياته والمخاطر والتحديات التي تواجهه، وإن القائم في حدود الله تعالى هو تلك الفئة الصالحة الملتزمة بشرع الله الآمرة بالمعروف الناهية عن المنكر، وإن الواقعين فيها هم أولئك الذين ينتهكون حرمات الله من ترك الواجبات والوقوع في المحرمات.

تنقّص وهمز ولمز

ويقول الدكتور خالد بن عبد الله المصلح:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير