للسخرية، وفي مقابل ذلك:فإن للعالمِ وأوامرِه عند بعض اليهود قدسيةً تصل إلى حد أوامر الرب،حيث يقول بعضهم:"إن كلّ قرار سيتخذه أمرنا العالي،سيقابل بالإجلال والطاعة،دون قيد أو شرط ".
إذا تقرر هذا،فإن من مظاهر تنقص العلماء:
1 - رميهم بالجهل وعدم علمهم بالواقع وفقههم به: والعجيب أن هذه الفرية أصولها عن أهل البدع القدماء،فهذا أحد رؤوس البدعة في زمانه ـ وهو عمرو بن عبيد ـ يقول عن الحسن البصري وابن سيرين،وهما من أئمة التابعين: ألا تسمعون؟ ما كلامُ الحسن وابن سيرين عندما تسمعون إلا خرقة حيض ملقاة، وهاهم اليوم، أذناب هؤلاء يقولون: علماؤنا علماء حيض ونفاس،وبئس القدوة هم،وما الغرض من ذلك ـ والله ـ إلا إسقاط قيمتهم عند الأمة حتى لا تنتفع بعلمهم وتوجيههم،هذا فضلاً عن الواقع يكذب ما يقولون،ففي الأمة من يعلم من أمور الواقع وفقهها أكثر من بعض أولئك الذين أفنوا أعمارهم في دراستها تخصصاً في إحدى الجامعات.
2 - محاكاة أصواتهم،أو هيئاتهم الخلْقية أو الخُلُقية بغرض السخرية والاستهزاء،وغيبتهم والطعن فيهم: وهذا ـ عياذاً بالله ـ من الكبائر العظيمة، والتي قد تصل إلى حد الكفر كما وقع للمنافقين الذين قالوا عن علماء الصحابة: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ـ أي علمائنا ـ أرغب بطوناً،ولا أكذب ألسنا،ولا أجبن عند اللقاء.
وإذا كانت الغيبة والسخرية بآحاد الناس محرمة،فما بالك بالعلماء؟! ويخشى على فاعل ذلك من العقوبة الدنيوية والأخروية،يقول ابن عساكر رحمه الله: (اعلم ـ وفقني الله وإياك لمرضاته ـ وجعلني وإياك ممن يتقيه حق تقاته،أن لحوم العلماء مسمومة،وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وقَلَّ من اشتغل في العلماء بالثلب، إلا عوقب قبل موته بموت القلب ?فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ?ا هـ.
3 - تتبع أخطائهم وزلاتهم،ونشرها في كل مجلس،وعند كل أحد: إننا ـ معاشر الإخوة ـ لا ندعي العصمة لأحد غير الأنبياء،ولكن لا يجوز أن يُعاملَ ورثة الأنبياء بمثل هذا،وليس كل أحد يتكلم عليهم ويرد عليهم،بل الرد عليهم يكون من أهل العلم،وبالعدل والعلم لا بالظلم والجهل،اللذان هما سبب ضياع الأمانة التي حملها الإنسان،على أن العالم إذا اجتهد واتقى الله ما استطاع فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجرٌ واحد.
وليت أحدنا إذا بلغه عن أحد من العلماء ما يستغربه أن يتصل به،أو يراسله،ليستوضح الأمر،فقد يكون كذباً من أصله وما أكثر هذا،أو يكون للعالم عذره الشرعي عند الله،أو يكون في الأمر تفاصيل خفيت أثرت على فهم الموضوع.
4 - ومن مظاهر تنقصهم: الجرأة على تخطئة فتاواهم عند سماعها أو قراءتها: ويتضح ذلك إن كانت الفتوى تخالف شهوة أو شبهة في نفس المتكلم !! والعجب أن هؤلاء المخطئين ليسوا ممن عرف بطلب العلم عند أهله،بل لو فتشت في علم أولئك لوجدتهم يجهلون أحكاماً لا تبرأ الذمة بجهلها، مع أنها مما يتقنه صبيان المدارس! وأعجب من ذلك: أن أولئك لو أراد أحدُهم أن يبني بيتاً له، أو يصلح سيارته لسارع إلى أهل الخبرة في ذلك الشأن،أما في أمور دينه فيجعل كلام أهل العلم معروضا على ما تهواه نفسه،أو ترضاه شهوته، إن هذا لشيء عجاب!!!.
وللحديث بقية،نفعني الله وإياكم بهدي كتابه،وسنة نبيه ?،والحمد لله رب العالمين
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه،كما يحب ربنا ويرضى،وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ما اتصلت الدنيا بالأخرى،أما بعد: فمن مظاهر تنقص العلماء: الفرح والاستبشار بمرضهم،وتمني موتهم،بل والدعاء عليهم بذلك: عياذاً بالله من ذلك.
إن المسلم إذا سمع عن مرض أخيه المسلم أو وفاته لهج بالدعاء له،فكيف إذا كان المريض أو الميت عالماً من علماء أهل السنة؟ أين هؤلاء من قول أيوب الستخياني رحمه الله ـ وهو أحد أئمة التابعين ـ: "إني أُخْبرُ بموت الرجل من أهل السنة،فكأني أفقد بعض أعضائي "؟ فإذا كان هذا شعوره عند موت الرجل العادي فما ظنك بشعوره عند موت العالم؟! ولهذا قال أيوب نفسه: "إن الذين يتمنون موت أهل السنة،يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ".
¥