تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما الدكتور عباس الجراري فقد تعرض لتاريخ المذهب المالكي ولفضله على المغرب في أكثر من موضع في تأليفه ومحاضراته، ثم خصه ببحث تحت عنوان "وحدة المغرب المذهبية"، وللدكتور محمود إسماعيل جهد مشكور في دراسته القيمة التي تنم عن صبر، ومعرفة دقيقة بتاريخ المنطقة لولا اتكاؤه الشديد على التفسير الاجتماعي وانحيازه الواضح إلى الفرق الخارجة على الجماعة. ومن ثمرات جهوده المشكورة في هذا الباب، كتابه القيم عن الخوارج في المغرب وحفرياته في تاريخ البرغواطيين في المغرب ومحنة المالكية في إفريقيا ([3] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn3)).

ومن المؤكد أن الأبحاث المذكورة على اختلاف مشاربها ومناهجها، وأهدافها، ومع الاعتراف بالجهد الكبير المبذول فيها فإنها لم تستوعب موضوعنا في جميع جوانبه، هذا إضافة إلى كونها انطلقت من موقفين متناقضين تماماً:

- موقف الناقم على المالكية، وهو موقف لا يتردد في لغتهم بالجمود والتحجر، ولا يتردد أصحاب هذا الموقف في إرجاع السلبيات في تاريخ المغرب والأندلس إلى المالكية. فالمالكية في رأي أصحاب هذا الموقف متحجرون متزمتون، وقفوا في وجه حرية الفكر وقمعوا أصحاب الفرق المخالفة ولم يسلم منهم الفلاسفة ولا المتصوفة.

- وموقف المدافع عن المالكية، وأصحاب هذا الموقف وهم قلة، منهم موقف أستاذنا الدكتور عباس الجراري، وموقف صديقنا المرحوم الدكتور عمر الجيدي في كتاباته المتعددة في الموضوع، وهو موقف يذهب إلى أن المالكية إنما قاوموا أهل البدع والفرق الضالة، وإليهم يرجع الفضل في توحيد المغرب في إطار المذهب المالكي وفي نطاق السنة بشكل عام في الفقه والعقيدة والتصوف، وكان من ثمار أعمالهم أن الغرب الإسلامي تحددت إختياراته ..

ولكل ما سبق فقد يكون من المفيد الرجوع في دراسة تاريخ المالكية إلى مصادرها الأولى أولاً، ثم في المصادر التي يمكن الاستئناس بها أيضاً لنتتبعها من جديد، وربما في ظروف مغايرة لتلك الظروف التي تمت فيها البحوث السابقة في الموضوع للتعرف على تلك الفرق التي واجهتها المالكية، ثم على طبيعة تلك المواجهة وعلى مداها، وللوقوف أخيراً على آثار تلك المواجهة.

واجه المذهب المالكي في طريقه إلى الانتشار في الغرب الإسلامي واقعاً اجتماعياً وثقافياً مغايراً لما واجهه في جهات أخرى من العالم الإسلامي، واعترض علماء المالكية في جهادهم المستميت في الدفاع عن مذهبهم وفي العمل على نشره وترسيخه فرق مخالفة عديدة، منها ما كان لها أصل في المشرق مثل فرقة الخوارج الصفرية والإباضية والشيعة الفاطمية والغزالية، ومنها ما لم يكن لها أصل في المشرق وذلك مثل الطائفة البرغواطية والمذهب التومرتي، وهذا الأخير وإن كانت أصوله مشرقية فإنه في صورته التي انتهى إليها في المغرب مذهب جديد لا عهد للشرق به. هذا عدا حركة المتنبئين، وقد عرفت بعض القبائل في المغرب جماعة منهم اشتهر منهم أحدهم يدعى باسم حاميم ([4] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn4)).

وإذا كانت هذه الفرق والطوائف متباينة في أصولها مختلفة في مبادئها وآرائها بشكل عام، فإنها كانت كلها تهدف إلى إقامة دول باسمها تدعم آراءها وتساعد على نشرها وترسيخها. وهذا يعني أنها لم تكن فرقاً تكتفي بالمناظرة في عملها وإنما كانت تتخذ من السيف وسيلة لتحقيق أهدافها، وهذا ما طبع المواجهة بينها وبين مخالفيها بالعنف في أحيان كثيرة، ولا نعجب بعد ذلك إذا قلّت التصانيف التي تدعم آراء هذه الفرقة أو تلك الطائفة لأن معركة المواجهة إنما كانت ساحة الحرب في كثير من الأحيان، وهذا ما يفرض على الباحث أن يستأنس بكتب التاريخ العامة التي تؤرخ لقيام الدول وانقراضها لتتبع أوجه المواجهات بين هذه الفرق من جهة وبين المالكية من جهة أخرى ([5] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn5)).

من أدخل مذهب مالك إلى الغرب الإسلامي؟ ومتى كان ذلك؟ وما سبب انتشار المذهب المالكي في هذه الأصقاع؟ وكيف تم ذلك؟ وعلى يد من؟ وكم أخذ من الوقت نشره وإقراره بصفة نهائية؟

هذه أسئلة عديدة بعضها يجاب عنه في صلب الموضوع وبعضها مما يستحسن الجواب عنه هنا توطئة للبحث وتمهيداً له.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير