تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[رجل ... قرأ أكثر من ثلاثة ملايين صفحة!!]

ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[12 - 08 - 05, 07:42 م]ـ

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

يذكرُ العلاّمةُ الأديبُ بديعُ هذا الزمانِ: عليٌّ الطنطاويُّ – برّدَ اللهُ مضجعهُ – في أحدِ أجزاءِ كتابهِ " ذكريات" أنّهُ أحصى مجموعَ ما قرأهُ في حياتهِ إلى سنةِ 1405 هـ - أي قبلَ وفاتهِ بأكثرَ من 15 سنةً – فبلغَ 2500000 صفحةً تقريباً، وذلك لأنّهُ شغلَ ليلهُ ونهارهُ في المطالعةِ والنظرِ، وأصبحَ يقرأ ما يزيدُ على 100 صفحةٍ يوميّاً.

فكم يا تُرى يبلغُ المجموعُ لو أضفنا عليها السنواتِ الباقيةَ، وهي 15 سنةً تامّةً وافيةً، تلكَ السنواتُ التي تفرّغَ فيها للمكثِ في البيتِ، وانقطعَ عن النّاسِ، وصارتِ المكتبةُ ملاذهُ وأنسهُ؟.

هؤلاءِ هم الرّجالُ حقّاً.

لا بُدَّ لنا من وقفةٍ جادّةٍ صادقةٍ مع هذا العمرِ الذي نُبدّدُهُ شذرَ مذرَ، دونَ أن نُضيفَ إلى رصيدِنا المعرفيِّ شيئاً يُذكرُ، تُسرقُ بهجةُ الحياةِ من بينِ أيدِنا بأيدينِا!، فمن نُحاكمُ ونحنُ الجناةُ والمجنيُّ عليهم؟.

القراءةُ والعلمُ والبحثُ من أجملِ ما في الحياةِ، حينَ تُنقّلُ فكركَ وعقلكَ في عصورٌ خلتْ، وأقوامٍ بادتْ وانتهتْ، تجوبُ الديارَ وتقطعُ المسافاتِ، وأنتَ قابعٌ في بيتكَ ومكتبكَ، فتستلهمُ العبرَ وتأخذُ الدروسَ، وتطربُ طوراً وتحزنُ أخرى، وتبكي وتضحكُ، تجمعُ ما تناقضَ من حالكَ في جلسةٍ واحدةٍ، وتستدعي عباقرةَ العلمِ ودهاقنةَ السياسةِ في مكانٍ واحدٍ، فتأمرَ هذا بأن يُبينَ وتُخرسُ ذاكَ، وهكذا دواليكَ.

نعتقدُ أو يعتقدُ بعضُنا أنّهُ سوفَ يبلغُ المجدَ بالكسلِ والتواني، أو أنّهُ سوفَ يظفرُ بالعلياءِ وهو حِلسُ الجهالةِ أو سميرُ اللعبِ أو نديمُ الفراغِ، كلاّ وربّي، لا بُدَّ من الكدِّ والجُهدِ والنصبِ، حتّى تقطفَ ثمرةَ ذلكَ كلّهُ نجاحاً وفلاحاً.

لا يستوي من أنفقَ دهرهُ علماً وبحثاً ونظراً، وآخرُ أنفقهُ سهراً وضياعاً ولعباً، لا يستوي من يقرأ ليلهُ ونهارهُ، وآخرُ يقضي وقتهُ في الكلامِ، ويُشتّتُ عمرهُ في ما لا فائدةَ من وراءهِ.

ادفعْ من عمركَ ما شئتَ للجدِّ والمُستقبلِ، تنلْ مقدارهُ من الحظِّ والمكانةِ والسموِّ، وادفعْ مثلهُ في اللعبِ والمضيعةِ والتوافهِ، تنلْ مقدارهُ وأزيدَ من الضعةِ والهوانِ والخمولِ، لا يستوي عندَ اللهِ ولا عندَ النّاسِ من جدَّ واجتهدَ، وآخرُ نامَ حتّى نفخَ، وأكلَ حتّى بشمَ، وجهلَ حتّى سقطَ.

يذكرُ البروفيسور: مُصطفى فقي – أسعدَ اللهُ أيّامهُ - أنّهُ يقرأ كلُّ أسبوعٍ سبعةَ كُتبٍ، هكذا ألزمَ نفسهُ وأوجبَ عليها، لا بُدَّ أن يقرأ، ولا بُدَّ أن يتثقّفَ، مع أنّهُ رجلٌ قد ملأ الدّنيا وشغلَ النّاسَ، وأصبحَ من الأفذاذِ الذين يُشارُ إليهم بالبنانِ.

وهذا العلاّمةُ الكبيرُ: محمودُ شاكر – برّدَ اللهُ مضجعهُ - مكثَ في عزلةٍ فرضها على نفسهِ 40 سنةً يقرأ ويبحثُ، وأعرضَ في فترتهِ تلكَ عن رِفاقهِ وصحبهِ، وكانتْ بدايةَ تلكَ العُزلةِ مسألةٌ أثارها الدكتورُ: طه حُسين، حدت بمحمود شاكر أن يقرأ ويقرأ، فقرأ جميعَ ما وقعتْ عينهُ عليهِ من كتابٍ في مكتبةِ أبيهِ العامرةِ، ولهُ في ذلكَ خبرٌ وقصّةٌ مليئةٌ بالعبرِ والعِظاتِ، مذكورةٌ في مقالاتهِ التي طُبعتْ أخيراً.

ونالَ ما تمنّى!، وصارَ أعلمَ أهلِ الأرضِ بالعربيّةِ والتُراثِ، بل قيلَ: إنّهُ لم يأتِ بعدَ الجاحظِ رجلٌ وسِعَ علمَ العربيّةِ أو كادَ مثلَ محمودٍ – رحمهُ اللهُ -.

تخيّلوا لو كنّا في زمنِ المخطوطاتِ والخطوطِ الدقيقةِ، هل كنّا سنقرأ شيئاً؟، نحنُ في زمانِ الكُتبِ المزركشةِ والمزخرفةِ، والمطبوعةِ بأجودِ الورقِ وأفضلِ الألوانِ، لا نقرأ إلا لماماً!، وإذا قرأنا أصابَ الكثيرَ منّا ما أصابهُ من الدّوارِ والصّداعِ، كأنّما يُساقُ إلى الموتِ وهو ينظرُ!.

هل يصحُّ أن نسألَ هذه الأيّامَ: كم ساعةً تقرأ في اليومِ؟، خاصّةً وأنّي أعرفُ صديقاً يقرأ من يومهِِ ما يزيدُ على 15 ساعةً، ولا ينامُ إلا قليلاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير