تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحبتي في الله، إن خير ما تقضي به مجالس العلماء، وخير ما يحرص عليه طلاب العلم مع العلماء إعانتهم على تبليغ رسالة الله، وإعانتهم على قضاء أوقاتهم وإمضائها في محبة الله ومرضاة الله، فلا يليق بطالب العلم أن يزور العالم فيضِّيع على العالم وقته، يجلس معه الساعات الطويلة دون أن يسأله، أو يذاكره، وإلى الله المشتكى من مجالس هذا الزمان، كيف خلت من حكمة تنشر، وموعظة تذكر، وسنة تحيا، وشريعة يذكّر بها .. إلى الله المشتكى! كيف أقفرت مجالس العلماء بضعف طلاب العلم عن السؤال، إنه والله من الرزايا: أن يَقْدُم العالم على البلد أو يَقْدُم على القوم فيزورهم، فلا يجد من يسأله إلا الواحد والاثنين، ويخرج من ذلك الموضع بثلاث أو أربع مسائل. أين الناس؟! كان العالم إذا خرج من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم (أشهد) أنه إذا خرج، كان يخرج كخلية النحل من كثرة من يسأله، من كثرة من يستفتيه، من كثرة من يناقشه، من كثرة من يطلب العلم على يديه، أصبح بعض طلاب العلم الآن في كِبر وفي ترفع، يحس وكأنه ليس بحاجة للعالم، كم من مسائل في العقيدة، وفي الحديث، وفي الفقه، وتجد الإنسان أحوج ما يكون إلى من يعلمه بها، ومن يُطْلِعه على حقيقتها، ومن يفصل له ما فيها، ومع ذلك يصحب العلماء، ويستنكف عن سؤال واحد منهم، والله إنها لرزية، والله إنها لمصيبة، كم من مسائل يجهلها الإنسان في صلاته، في زكاته، في صيامه، في حجه، في عمرته، ومع ذلك لا يسأل العالم عن مسألة واحدة، ولكن يشغله بأسئلة خاصة عن حياته، ولا تعنيه.

المَعْلَمْ الخامس: تحضير الدروس:

ضبط العلم أمانةٌ ومسؤولية على طلاب العلم، ينبغي قبل أن يجلسوا في مجالس العلماء أن يقرأوا الدرس ولو مرة واحدة، ويقرأوا الحديث الذي سيشرح ولو مرة واحدة. وكان بعض العلماء يقول: مما يعاب على طالب العلم، ويدل على ضعف همته في طلب العلم: أن لا يقرأ الدرس قبل الجلوس بين يدي العالم، يعني على الأقل أن تقرأه مرة واحدة، تقرأ الحديث، أو الآيات، أي موضوعٍ تريد أن تقرأه على يد ذلك العالم، فإذا حضرت وردتْ عليك المسائل والاستفسارات، والاستشكالات البديعة، التي تكون سبباً حتى في إفادة العامة، فأحسنت الاستفادة من العالم، وأحسنت سؤال ذلك العالم، فكم من علماء استفادوا من أسئلة تلامذتهم واستشكالاتهم، ولذلك من الرزايا الموجودة الآن، أن العالم يلقي المسألة في الدرس، أو في الفصل، أو في المحاضرة، ولا يجد من يحسن سؤاله ومناقشته، إلا النزر من طلاب العلم، الواحد أو الاثنين.

لذلك أحبتي في الله، ضبط العلم وإتقانه: بقوة التحضير قبل الدروس، وبكثرة القراءة والمراجعة بعده، والله ما قرأتَ كتاباً وأنت ترجو به ضبط ذلك العلم، إلا يسّرهُ الله عز وجل لك، ما أردتَ به وجه الله، ولذلك قالوا: العلم من أفضل العبادات؛ لأنه تجتمع فيه جميع الجوارح، تكتب بيدك، وتسمع بأذنيك، وترى بعينيك، وتفهم بعقلك، جميع جوارحك في طاعة الله ومحبة الله.

المَعْلَمْ السادس: التواضع للحق:

أن يتواضع للحق أنى قيل له، وكيف قيل له، فالحق أحق أن يُتّبع، يا طالب العلم .. إذا بلغك القول عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم فطِب بذلك نفساً، واعلم أنه شرع الله، فاعتبره أصلاً وأساساً، طالب العلم الموفق في طلبه للعلم إذا بلغته الآية من كتاب الله أو الحديث من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، خضع لله، وقال بلسان الحال والمقال: سمعنا وأطعنا، يقول الله تعالى في كتابه: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [النساء:65]، فلا وربك: يقسم الله عز وجل لنبيه، ((حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ))، هذا أول شيء، يحكموك فيما شجر بينهم، ((ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا)) حرجاً: نكرة، حتى تعمّ، وليس وحدها، بل ((وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))، ولذلك قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- لِعَمْرَة، لَمَّا سألتها عَمْرة: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت لها: أحرورية أنتِ ([27])؟! أي: هل تعترضين على السنة، كشأن الخوارج من أهل حروراء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير