إذ من الجهاد، الجهاد بالحجة والبيان، وهذا جهاد الأئمة من ورثة الأنبياء، وهو أعظم منفعة من الجهاد باليد واللسان، لشدة مؤنته، وكثرة العدو فيه.
قال تعالى: " ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا " [الفرقان: 51 - 52]
يقول ابن القيم: " فهذا جهاد لهم بالقرآن، وهو أكبر الجهادين، وهو جهاد المنافقين أيضًا، فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين، بل كانوا معهم في الظاهر، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم، ومع هذا فقد قال تعالى: " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم " ومعلوم أنَّ جهاد المنافقين بالحجة والقرآن.
والمقصود أنَّ سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم، ودعوة الخلق به إلى الله " [انظر كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم: ج 1 ص 70].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو في منزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره)) [أخرجه ابن ماجه (227) بسند صحيح].
6 ــ التنافس في بذل العلم:
ولم يجعل الله التحاسد إلا في أمرين: بذل المال، وبذل العلم، وهذا لشرف الصنيعين، وحث النَّاس على التنافس في وجوه الخير.
عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) [متفق عليه].
7 ــ العلم و الفقه في الدين أعظم منة:
ومن رزق فقهًا في الدين فذاك الموفق على الحقيقة، فالفقه في الدين من أعظم المنن.
عن ابن عباس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) [أخرجه الترمذي (2645) وقال: حسن صحيح].
8 ــ العلم مقدم على العبادة:
والعلم مقدم على العبادة، فإنَّ فضلا في علم خير من فضل في عبادة، ومن سار في درب العلم سهل عليه طريق الجنة.
أخرج البيهقي في سننه عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله أوحى إليَّ: أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة و فضل في علم خير من فضل في عبادة و ملاك الدين الورع)) [أخرجه البيهقي، بسند صحيح].
ثانياً ــ فضل العلماء
1 ــ العلماء هم الثقات:
قال الله تعالى: ((شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم)) [آل عمران: 18]
فأهل العلم هم الثقات العدول الذين استشهد الله بهم على أعظم مشهود، وهو توحيده جل وعلا.
2 ــ مديح الله تعالى للعلماء:
وقد مدح الله أهل العلم وأثنى عليهم، فجعل كتابه آيات بينات في صدورهم، به تنشرح وتفرح وتسعد.
قال الله تعالى: ((بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون)) [العنكبوت:49]
3 ــ العلماء ورثة الأنبياء:
وهم أهل الذكر، الذين أمر الناس بسؤالهم عن عدم العلم قال الله تعالى: ((فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)) [النحل:43]
4 ــ رفع درجات أهل العلم والإيمان خاصة:
قال تعالى: ((يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)) [المجادلة:11]
5 ــ لا ينقطع عمل العالم بموته:
بخلاف غيره ممن يعيش ويموت، وكأنَّه من سقط المتاع، أمَّا أهل العلم الربانيون الذين ينتفع بعلمهم من بعدهم فهؤلاء يضاعف لهم في الجزاء والأجر شريطة الإخلاص وسنتحدث عن هذه النقطة مطولاً في المقالات التالية إن شاء الله تعالى.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) [أخرجه مسلم].
6 ــ رحمة الله تتنزل على العالم والمتعلم:
وكل ما في الدنيا هالك وإلى زوال، تتنزل عليه اللعنات، والمرحوم من ذلك صنفان من النَّاس: أهل العلم وطلبته، والعابدون الذاكرون الله كثيرًا.
¥