تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لئن سابق التجار الناس بتجارتهم وفازوا بالأموال ولئن سابق الصناع الناس بحرفهم واقتنوا الذهب والفضة ولئن ذهب الناس بالشاة والبعير فإن أناسا آخرين فاقوا الجميع بالأقوال والأفعال وطاب ذكرهم بين كل الأجيال ولمع برقهم على كل رحال , وهؤلاء الرجال لا يقاسون بالمقياس السابق وإنما يقاسون بمقياس أدق من الخيط وأرق من النسيم ألا وهو مقياس الحقيقة والصدق مقياس (القبول) ذلك المقياس الذي لا يزول والمقاييس الأخرى تزول ولا تبقى. ومن هؤلاء العظماء الذين أبرقت لهم السماء وبكت عليهم بعد الوداع ناصر السنة وعلامة العصر في الحديث. محمد بن نوح نجاتي الأرناؤوطي الشهير بمحمد ناصر الدين الألباني ...

ولد هذا الإمام رحمه الله في أشق ودرة بألبانيا عام (1332هـ) ونشأ في بيت علم وورع وتقوى. فوالده أحد كبار علماء المذهب الحنفي في بلادهم ألبانيا آنذاك وقد درس في المعاهد الشرعية للخلافة العثمانية ثم هاجر بهم إلى دمشق الأمويين.

وقد قال الشيخ الألباني عن هذه الهجرة ((هاجر بنا الوالد من بلدنا "أشق ودرة" عاصمة ألبانيا يومئذ فرارا من ثورة أحمد زوغو - أزاغ الله قلبه - الذي بدأ يسير في الألبانيين سيرة أتاتورك في الأتراك. وقد وصلنا إلى الشام. وبدأت بتعلم اللغة العربية. فتعلمت أولا اللغة العربية السورية ثم تعلمت اللغة العربية الفصحى وقد التحق بالدراسة النظامية في سورية ودرس فيها الإبتدائية فقط ثم أخرجه والده من المدرسة لأن والده لم يكن يرى بها فائدة , وهذا من فضل الله على العلامة الألباني وبدأ الشيخ رحمه الله كما يبدأ كثير من الشباب بقراءة الكتب العادية من القصص البوليسية وكتب الأساطير وغيرها ولكن إذا أراد الله بالمرء خيرا هيأه له.

فذات مرة والشيخ يريد أخذ كتاب (كليلة ودمنة) من أحد المكتبات إذ لفتت انتباهه مجلة المنار التي كان يصدرها آنذاك الشيخ محمد رشيد رضا , فأخذها الشيخ وقرأها فإذا بها مجموعة من المقالات , وقرأ فيها مقالة لمحمد رشد رضا تكلم فيه عن كتاب الإحياء للإمام الغزالي وينقده في بعض النواحي وذكر في المقال كتاب لأبي الفضل العراقي وهو كتاب خرّج فيه الأحاديث التي في الإحياء وصححها وضبطها وإسم الكتاب ((المغني عن حمل الأسفار في تخريج مافي الإحياء من الأخبار)) فقذف الله بقدرته الرغبة في قلب هذا الشاب في ريعان شبابه فسعي لإقتناء الكتاب فاستعاره لمدة طويلة , وحين حان وقت إرجاعه للكتاب قام بنسخ الكتاب كاملا بخط يده (2011 صفحة) تخيل ألفين صفحة كتبها بيده.

هذا والله هو التوفيق والإعداد الرباني لهذا الرجل ليكون من يكون بعد ذلك ...

وبدأ يرجع للمراجع العربية اللغوية ليفقه غريب العبارات وما أشكل عليه فهمه , ولقد واجه بداية تحوله هذا صعوبات جمة لو واجهة غيره لعله كانت تصده عن إكمال الطريق ولكن الله قد جعل له بسابق علمه شأناً.

وكان والده ينهاه بشده عن طلب علم الحديث والإستزاده منه ويقول له (علم الحديث صنعة المفاليس) ولقد صدق فأغلب المحدثين كانوا فقراء لأنه يحتاج من صاحبه لنفقات جمة للطلب والرحلة والأوقات الطويلة التي لا تسمح له بالعمل الطويل والإشتغال بالحديث مشغل مضني منهك.

واتجه الشيخ في بداية حياته لتعلم النجارة وتعلمها من خاله وعمل بها لمدة سنتين ولكنه لاحظ أنها تأخذ من وقته الكثير وأنها صنعة تهد القوي وتقعد عن طلب العلم فلن ينجذب لها , فتحول إلى ترميم البيوت القديمة ثم تحول لصنعة والده ألا وهي إصلاح الساعات فتعلمها على يد أبيه وفتح له محل خاص وحول الشيخ الدكان إلى مجلس علم. وكل ما أتاه أحد قرأ له من الأربعين النووية أو من سبل السلام للصنعاني , ثم تمكن الشيخ ومن معه من استئجار مكان يلقي عليه فيه بعض الدروس , وهكذا كان الشيخ يقضي ثلاث ساعات يومياً في إصلاح الساعات ماعدا الثلاثاء والجمعة وهو ما يمكنه من الحصول على القوت الضروري له ولأولاده على طريقة الكفاف طبعا لإن من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا)). ومن ثم ييمم شطر المكتبة الظاهرية بدمشق المليئة بالكتب والمخطوطات والمراجع وكان يمكث فيها كل يوم 12 ساعة وهو يقرأ ويكتب ويبحث ثم يبدأ بالجولات الدعوية في المدن الشامية يصحح المفاهيم الخاطئة ويحي السنن المهجورة ويميت البدع المظهرة ويبصر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير