تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعن زيد بن الحباب قَالَ: سمعت سفيان الثَّوري وسأله شيخ عن حديثٍ فَلَمْ يجبه , قَالَ: فَجَلَسَ الشَّيخُ يبكي , فقام إليه سفيان فقال: يا هذا! تريد ما أخذته في أربعين سنة أن تأخذه أنت في يومٍ واحد.

قَالَ أبو داود: كنت يومًا بباب شعبة , وكان المسجد مِلْأً فخرج شعبة فاتَّكأ علي , وقال: يا سُليمان! ترى هؤلاء كلهم يخرجون مُحَدِّثين؟ قلت: لا , قَالَ: صَدَقْت , ولا خمسة! يكتب أحدهم في صغره ثم إذا كبر تركه , أو يشتغل بالفساد. ثم نظرت بعد ذلك فما خرج منهم خمسة.

قَالَ الشّافِعي: فالواجب على العالمين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا , وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه؛ لكان الإمساك أولى به , وأقرب من السلامة له إن شاء الله.

يقول ابن القيم رحمه الله في نونيته:

هَذَا وَإِنِّي بَعْدُ مُمْتَحَنٌ ii بِأَرْ

بَعَةٍ وَكُلُّهُمُ ذَوُو أَضْغَانِ

فَظٌ غَلِيظٌ جَاهِلٌ ii مُتَمَعْلِمٌ

ضَخْمُ العِمَامَةِ وَاسِعُ ii الأرْدَانِ

مُتَفَيْهِقٌ مُتَضَلِّعٌ بِالْجَهْلِ ii ذُو

صَلَعٍ وَذُو جَلَحٍ من ii العِرْفَانِ

مُزَجَي البِضَاعَةِ فِي العُلُومِ ii وَإِنَّهُ

زَاجٍ من الإِيهَامِ ii وَالْهَذَيَانِ

يَشْكُو إِلَى اللهِ الْحُقُوقَ تَظَلُّمًا

من جَهْلِهِ كَشِكَايَةِ ii الأَبْدَانِ

من جَاهِلٍ مُتَطَبِّبٍ يُفْتِي ii الوَرَى

وَيُحِيلُ ذَاكَ عَلَى قَضَا ii الرَّحْمَنِ

عَجَّتْ فُرُوجُ الْخَلْقِ ثُمَّ ii دِمَاؤُهُمْ

وَحُقُوقُهُمْ مِنْهُ إِلَى الدَّيَّانِ

مَا عِنْدَهُ عِلْمٌ سِوَى التَّكْفِيرِ والتَّ

بْدِيعِ والتَّضْلِيلِ ii والبُهْتَانِ

وقال قتادة: مَنْ حَدَّثَ قَبْلَ حِينِهِ افْتَضَحَ في حِينِهِ.

ولقد كان من هدي السَّلف رحمهم الله , طُول الملازمة للمشايخ مع حسن الأدب , قَالَ مَعْمَر: سمعت الزُّهْرِي يقول: إن كنت لآتي باب عروة؛ فأجلس ثم أنصرف ولا أدخل , ولو أشاء أن أدخل لدخلت إِعظامًا له.

وقال سمعت الزُّهْرِي يقول: مَسْت رُكْبَتي ركبة سعيد بن المسيب ثماني سنين.

قَالَ الزُّهْرِي: كنا نأتي العالم؛ فما نَتَعَلَّمُ مِنْ أَدَبِهِ أَحَبّ إلينا من عِلْمِهِ.

وقال معاذ بن سعد: كنت جالسًا عند عطاء , فحدَّث بحديثٍ فعرض رجل له في حديثه فغضب عطاء , وقال: ما هذه الأخلاق؟! وما هذه الطَّبائع؟! والله إني لأسمع الحديث من الرَّجُلِ وأنا أعلم به منه؛ فأريه أني لا أحسن شيئًا منه.

وقال ابن وهب: ما نقلنا من أَدَبِ مَالِكٍ أكثر مما تعلمنا من عِلْمِهِ.

قَالَ أبو الدَّرداء: مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ مَمْشَاه , ومَدْخَلُه , ومَخْرَجُه , ومجلسه مع أَهْلِ العِلْم.

قَالَ أحمد بن سِنان: كان لا يُتَحَدَّثُ في مجلسِ عبد الرحمن , ولا يُبْرَى قَلَمٌ ولا يَتَبَسَّمُ أحدٌ ولا يقوم أحدٌ قائمًا , كأن على رُؤُوسهم الطَّير , أو كأنهم في صلاة , فإذا رأى أحدًا منهم تبسَّم أو تحدَّث؛ لبس نعله وخرج.

قَالَ سفيان الثوري لسفيان بن عيينة: مَالَكَ لا تحدث؟ فقال: أَمَا وَأَنْتَ حَيٌّ فَلَا. .

قَالَ أبو إسحاق الجوزجاني: سمعت يحيى بن معين يقول: الذي يحدث ببلد به من هو أولى بالتَّحْدِيثِ مِنْهُ أَحْمَق وإِذَا رَأَيتني أُحدِّث ببلدٍ فيها مثل أبي مِسْهَر فينبغي للحيتي أن تُحْلق.

وقيل إن أبا نُعيم الحافظ ذُكِرَ لَه ابن مَنْدَة , فقال: كان جبلًا من الجبال. فهذا يقوله أبو نُعيم مع الوحشةِ الشَّديدة التي بينه وبينه.

وهذا شعبة لما يسمع صوت الأقلام على الألواح أراد أن يلمح لطلابه مسألة في الأدب مُعَرِّضًا لها دون تصريح , فلما لم يدركوا مراد شيخهم ترك التحديث.

قَالَ الأصمعي: كنا عند شعبة فجعل يسمع -إذا حدث - صوت الألواح , فقال: السَّماء تمطر؟ قالوا: لا , ثم عاد للحديث فسمع مثل ذلك , فقال: المطر؟ قالوا: لا , ثم عاد فسمع مثل ذلك , قَالَ: والله لا أحدِّث اليوم إلا أَعْمَى , فمكث ما شاء الله , فقام أَعْوَرٌ فقال: يا أَبَا بِسْطَام تخبرني أنا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير