ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[23 - 05 - 04, 01:47 ص]ـ
منقول من مجلة البيان
دراسات اقتصادية
آراء وتأملات في فقه الزكاة
(1)
بقلم: د. محمد بن عبد الله الشباني
يتميز الإسلام بمنهجية متفردة، حيث يعمل على تحقيق التوازن بين الحاجات
المادية والروحية، ضمن تنظيم يعطي للحياة الدنيا دورها والآخرة دورها، بدون
تفريط ولا إفراط،] وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْكَ [
[القصص: 77]،] قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ [[الأعراف: 32].
تتمثل هذه المنهجية في الاهتمام بالفرد باعتباره مناط التكليف، لذلك: فقد
وضع قواعد وسن شرائع تمثل في مجموعها نمطية السلوك الذي ينبغي على
الإنسان المسلم التزامه، حتى تتحقق خلافته لله في الأرض، كما يريدها الله، وفق
العهد الذي أخذه الله على بني آدم.
يتميز دين الإسلام بأنه الدين الذي جمع في إهابه الواجبات التي ينبغي للفرد
القيام بها تجاه خالقه، والواجبات التي عليه القيام بها تجاه أخيه الإنسان، فتنتظم
الحياة الإنسانية، فلا يكون انفصال بين متطلبات الحياة الآخرة ومتطلبات الحياة
الدنيا، وإنما هناك رابط يجمع بينهما.
من الشواهد على حقيقة الارتباط بين عبادة الله وأداء الحقوق المالية تجاه
المجتمع: ما نجده من اقتران الصلاة والزكاة في آيات القرآن الكريم، حيث نلاحظ
أن الصلاة، التي هي الشعيرة المحسوسة لتأكيد خضوع الإنسان لله تقرن دائماً
بالزكاة، التي تمثل الجانب المالي في تنظيم المجتمع، يقول الله (تعالى):] وَأََقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [[البقرة: 43]، ويقول:] وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياً [[مريم: 31].
الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهو الركن الذي لا يصبح
الإنسان مسلماً حقّاً إلا إذا أداه، فهي واسطة العقد، وهي الرابطة بين صحة
الاعتقاد والعبادة، فالصلاة والصيام والحج عبادات بدنية، والزكاة تمثل جسر
الإيمان الذي يربط بين ظواهر ومؤشرات ودلائل الاعتقاد .. وواقع الحياة، حيث
يتحقق التلازم بين الاعتقاد والعبادة من جانب، والتكافل الاقتصادي لأفراد المجتمع
من جانب آخر، فيتحقق مفهوم الإسلام الذي يقوم على أساس أن الدين لا ينفصل
عن واقع الحياة، وأنه يعمد إلى إسعاد الناس في حياتهم الدنيا كما يسعدهم في
حياتهم الآخرة.
إن دور الزكاة في تحقيق التوازن الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي دور مهم، لكن واقع المجتمعات الإسلامية في هذا العصر لا يعطي لهذا الأمر أهمية، فتُرك
الأمر للأفراد في تأدية الزكاة، وغُيِّر وجهها، واستبدلت الضرائب وغيرها من
وسائل الجباية بالزكوات، وأصبحت التنظيمات المالية الحالية لا تعطي أهمية لدور
الزكاة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتكافل الاجتماعي، وتحقيق ما ينادي به
الاقتصاديون المعاصرون من إقامة دولة الرفاهية، فحلت الأنظمة المالية القائمة
على النظام الربوي محل النظام المالي الإسلامي، الذي يقوم على منهج مغاير للفكر
الفلسفي الذي تقوم عليه التنظيمات المالية المطبقة حالياً، والمقتبسة من النظام الغربي [1].
المفهوم السائد لدى كثير من الناس عن الزكاة أنها نوع من التصدق لا علاقة
لها بتنظيم شؤون الدولة المالية، وليست جزءاً من التنظيم الاجتماعي، وبالتالي:
فإن الزكاة هى جزء من التراث الأخلاقي الذي لا يمكن أن يقوم عليه البناء المالي
للمجتمع، هذا المفهوم الخاطئ يرجع في أساسه إلى عدم فهم حقيقة الزكاة، والجهل
التام بالتراث الفقهي المالي، مما ينتج عنه هذا المفهوم القاصر لدور الزكاة في
المجتمعات الإسلامية.
إن الزكاة هي التنظيم المالي الوحيد في التشريعات المالية التي عرفها البشر
المخصصة للإنفاق على احتياجات الأفراد الذين لا يجدون كفايتهم، ولم تقتصر
الزكاة على نوع معين من الدخل، بل شملت كل مصادر الدخل، كما أنها تميزت
بشمولية المشاركين في دفعها، حيث ظلت الحد الأدنى الذي إذا بلغه المال وجبت
¥