تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فيه الزكاة، مع ملاحظة طبيعة المال، فربطت وجوب الزكاة في بعضه على مرور

الحول مثل النقدين والتجارة والأنعام، وبعضه الآخر في تاريخ تحققه مثل الزروع

أو الركاز أو المعادن.

إن الزكاة هي التنظيم المالي القادر على تحقيق التوازن الاقتصادي في

المجتمع، والتقليل من التفاوت بين مختلف الأفراد والجماعات، وغرس روح

التعاطف والمودة بين مختلف الأفراد، لذا: فلا بد من معرفة أحكامها وكيفية تحديد

وعائها، ومقدارها حسب الأموال التي تجب فيها، وحسب واقع الأنشطة

الاقتصادية المعاصرة، والتي تعددت وتنوعت، وما صاحب ذلك من ازدياد حجم

الثروات ووسائل تبادلها، مع بروز أشكال من الأعمال الاقتصادية لم تكن معروفة

في الماضي؛ مما يوجب دراستها وبيان التخريج الفقهي الملحِق لها بنوع المال الذي

ورد فيه النص، وبالتالي: مقدار نصاب زكاتها والأحكام المتعلقة بذلك.

إن الغاية من نشر هذه المجموعة من الحلقات هو دراسة ومناقشة أحكام الزكاة

المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية المعاصرة، التي من أمثلتها: مزارع الدواجن،

والخضروات، والعقارات، والمصانع، والمناجم، وشركات الخدمات، ومقاولات

البناء، والصيانة .. وغير ذلك من الأنشطة الاقتصادية التي يثور حولها كثير من

التساؤلات فيما يتعلق بكيفية تحديد زكاتها.

مفهوم الزكاة وشمولها:

لفهم أحكام الزكاة باعتبار أنها الركن الثالث من أركان الإسلام: لا بد من

تحديد معنى الزكاة لغة، حيث يفيد اللفظ معنى النماء والزيادة، فأصل (الزكاة):

من زكا الشيء، إذا نما وزاد، وفي لسان العرب: فإن الزكاة تعني الطهارة والنماء

والبركة، ولقد وردت هذه المعاني في القرآن والحديث، أما المفهوم المرتبط بالمال

وفق المدلول الشرعي فيوضحه ابن قدامة بقوله: (الزكاة من الزكاء والنماء والزيادة، سميت بذلك لأنها تثمر المال وتنميه، يقال: زكا الزرع إذا كثر ريعه، وزكت

النفقة إذا بورك فيها، وهي في الشريعة: حق يجب في المال، فعند إطلاق لفظها

في موارد الشريعة ينصرف إلى ذلك) [2].

من الألفاظ الدالة على الزكاة وفق المفهوم الشرعي التي إذا استخدمت عُرف

أن المقصود هو الركن الثالث من أركان الإسلام: لفظ (الصدقة)، ولتداخل المعنى

بين لفظي الصدقة والزكاة، فقد حدد الإمام الماوردي معنى التطابق للفظين، فهو

يقول: (الصدقة زكاة، والزكاة صدقة، ويفترق الاسم ويتفق المسمى) [3].

ويؤكد هذا المفهوم (ورود لفظ الصدقة بمعنى الزكاة) ما جاء في القرآن الكريم، حيث جاءت آيات الصدقة وقصد بها الزكاة، كما في قوله (تعالى):] خُذْ مِنْ

أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [[التوبة: 103]، وقوله:] وَمِنْهُم مَّن

يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [

[التوبة: 58].

لكن العرف صرف معنى الصدقة، فأصبحت عنواناً على التطوع، وما تجود

به النفس على المتسولين وغيرهم، وأصبح لا يُدرَك مدلول الآيات القرآنية لدى

عامة الناس عند تلاوتها، حيث ارتبط مفهوم الصدقة بالتطوع لا بالإلزام والوجوب.

إن دلالة لفظ (الصدقة) يُفهم من أصل مادة الكلمة، يقول القاضي ابن العربي

بهذا الخصوص: إن مدلول لفظ الصدقة حسب مادتها (مأخوذ من الصدق في مساواة

الفعل للقول والاعتقاد) [4].

إن هذا المفهوم الذي أشار إليه ابن العربي (رحمه الله) يرتكز على مفهوم

أساس يقوم عليه الإسلام، وهو التلازم بين الفعل، والقول، والاعتقاد، فلا يكمل

الاعتقاد بدون قول، كما لا يكمل القول بدون فعل، فالتلازم بين هذه الأمور الثلاثة

لحمة عقيدة الإسلام ومرتكزها.

إن ارتباط الزكاة بالعقيدة وكونها جزءاً أساساً لا يكتمل الإيمان إلا بها .. يدل

عليه ما ورد من آيات عن الزكاة في العهد المكي، حيث لم تتكون بعد الدولة

الإسلامية، ولم تتحدد أنواع الأموال والمقادير الواجب إخراجها، إنما كانت الإشارة

إلى الزكاة في هذه الفترة باعتبار أنها جزء من الاعتقاد، مما يوضح ويؤكد مدى

التلازم بين الإيمان بالله والعبودية، والالتزام تجاه الجماعة المسلمة في الحياة الدنيا، ففي سورة الأعراف أشار القرآن إلى هذه الحقيقة في قوله (تعالى):] وَاكْتُبْ لَنَا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير