تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وترد بقية المذاهب على ذلك بعدم اشتراط هذا الضابط بحمل الحديث وما جاء

في تفسير الآية على صدقة التطوع والإنفاق المندوب لا الواجب، وعلى هذا: لا

يمكن اعتبار أنه لا يزكى إلا ما فضل عن حاجة الشخص حيث إن الحاجة نطاقها

واسع حتى ولو حددت بالأمور الأساسية، كما أن الأحاديث الواردة في الزكاة

والسنة الفعلية للرسول -صلى الله عليه وسلم- لم تعمد إلى تحديد الحوائج الأصلية، وقد كانت الزكاة تؤخذ ممن توفر لديه النصاب بدون نظر إلى الحاجة، كما يُرَد

على ذلك: بأن شرطي النماء والنصاب كافيان عن اشتراط الفائض عن الحوائج؛

لأنه لا صدقة إلا عن ظهر غنى حقيقي، فلا يمكن حينئذ أن يصل المال إلى

النصاب والإنسان لا يكفي حاجته الأساسية، كما أن شرط الحول يقتضي أن

الإنسان سيقوم بالصرف على حاجته من ماله، فإذا حل الحول وهناك فائض وصل

حد النصاب: فإن ذلك مؤشر على سداد الإنسان لحاجته.

الضابط الخامس: السلامة من الدين:

يقصد بهذا الضابط: ألا يكون مالك النصاب مديناً لأحد دَيْناً يستغرق نصاب

الزكاة، أو ينقصه عن النصاب، ففي هذه الحالة لا زكاة عليه.

لقد اختلف الفقهاء حول هذا الضابط، وهل يتم استقطاع الديون الواجبة على

مالك المال من وعاء الزكاة؟.

واختلف الفقهاء في استقطاع الديون الواجبة على مالك المال (المكلف) من

وعاء الزكاة، فبالنسبة للأموال الباطنة (النقود وعروض التجارة) فإن جمهور

الفقهاء ذهبوا إلى أن الدّين يمنع وجوب الزكاة أو ينقص بقَدْره قيمتها، وذهب

بعض الفقهاء (فيما يتعلق بالأموال الظاهرة) إلى أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة فيها، حيث إن تعلق الزكاة فيها أظهر، وبذلك: فالزكاة أوكد، وقد قال بهذا مالك

والأوزاعي والشافعي، وورد عن أحمد [12].

وبالنسبة للدين في الزروع: فقد اختلف ابن عمر وابن عباس (رضي الله

عنهما) كما ذكره ابن قدامة، حيث قال: (روي عن أحمد أنه قال: قد اختلف ابن

عمر وابن عباس، فقال ابن عمر: يُخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته وأهله،

ويزكي ما بقي، وقال الآخر: يخرج ما استدان على ثمرته، ويزكي ما بقي،

وإليه أذهب: أن لا يزكي ما أنفق على ثمرته خاصة ويزكي ما بقي) [13].

وعلى ضوء ما سبق ووفقاً لهذا الضابط: فإنه يمكن تحقيق وعاء الزكاة

بالديون المستحقة على صاحب المال، ولكن يشترط أن يلاحظ ضرورة ثبات الدين

وصحته، وقيام صاحب المال بالسداد في وقت حلوله، وألا يماطل به وفق ما أشار

إليه عثمان بن عفان (رضي الله عنه) كما روى ذلك أبو عبيد عن السائب بن يزيد،

قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: (هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده،

حتى تخرجوا زكاة أموالكم) [14].

الضابط السادس: الحول:

إن مفهوم الحول هو: أن يمر على المال اثنا عشر شهراً عربيّاً، وهذا

الشرط خاص بالنقود والثروة الحيوانية وعروض التجارة، أما ناتج الأرض

والمستخرج من المعادن والكنوز ونحوها من الأموال المستفادة فلا يشترط لها مرور

الحول.

إن علة عدم تطبيق ضابط الحول على جميع الأموال أشار إليها الإمام ابن

قدامة بقوله: (الفرق بين ما اعتبر له الحول وما لم يعتبر له: أن ما اعتبر له

الحول مرصد للنماء، فالماشية مرصدة للدر والنسل، وعروض التجارة مرصدة

للربح، وكذا: الأثمان، فاعتبر له الحول؛ لأنه مظنة النماء؛ ليكون إخراج الزكاة

من الربح، فإنه أسهل وأيسر، ولأن الزكاة إنما وجبت مواساة، ولم نعتبر حقيقة

النماء؛ لكثرة اختلافه وعدم ضبطه، ولأن ما اعتبرت مظنته لم يلتفت إلى حقيقته، كالحكم مع الأسباب، ولأن الزكاة تتكرر في هذه الأموال، فلا بد لها من ضابط

كيلا يفضى إلى تعاقب الوجوب في الزمن الواحد مرات، فينفد مال المالك، أما

الزروع والثمار: فهي نماء في نفسها، تتكامل عند إخراج الزكاة منها، فتؤخذ

الزكاة منها حينئذ، ثم تعود في النقص لا في النماء، فلا تجب فيها زكاة ثانية؛

لعدم إرصادها للنماء، والخارج من المعدن مستفاد خارج من الأرض بمنزلة الزرع

والثمر، إلا إنه إن كان من جنس الأثمان ففيه الزكاة عن كل حول؛ لأنه مظنة

للنماء، من حيث إن الأثمان قيم الأموال ورأس مال التجارات، وبهذا تحصل

المضاربة والشركة وهي مخلوقة لذلك، فكانت بأصلها وخلقتها كمال التجارة المعد

لها) [15].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير