لقد توسعت الأنشطة الزراعية، فظهرت منتجات زراعية تحقق دخلاً أكبر،
مثل: الخضروات، والفواكه والزهور، ويعود ذلك التنوع والتوسع إلى
استحداث وسائل وأنظمة فعالة في الإنتاج والتخزين والتسويق.
ويتكون الإنتاج الزراعي من قطاعات رئيسة، هي:
1 - إنتاج الخضروات.
2 - إنتاج المحاصيل الحقلية.
3 - إنتاج الفاكهة.
إن ذلك التوسع والتنوع في الإنتاج الزراعي وتغير أساليب وأشكال التنظيم
الإداري للمزارع من حيث الملكية والتخصص الزراعي يستدعي دراسة أحكام
الزكاة فيما يتعلق بما استجد من منتجات، وبخاصة أن فقهاء المسلمين قد اختلفوا في
وجوب الزكاة لأنواع من المنتجات الزراعية، فمنهم من أوجب الزكاة في كل ما
تنتجه الأرض، ومنهم من قصره على أنواع معينة واستثنى بقية الأنواع، وكل
فريق يستند في رأيه إلى نصوص وقواعد شرعية، وهناك منتجات زراعية تحتاج
إلى دراسة حكم الزكاة فيها على ضوء الواقع المعاصر، مثل الخضروات والزهور، لا سيما وهي تحقق الآن عائداً اقتصاديّاً عالياً.
سبب الخلاف: إن سبب اختلاف العلماء حول زكاة المنتجات الزراعية يعود
إلى الاختلاف على مناط زكاة المنتجات الزراعية، فهل مناط الزكاة هو الأرض،
أو الزرع، أو مجموعهما؟.
فجمهور الفقهاء يقول: إنه للشيء الذي تجب فيه الزكاة، أي: الزروع، أما
الإمام (أبو حنيفة) فذهب إلى أنه للشيء الذي هو أصل الوجوب، وهو الأرض،
أما (محمد بن رشد القرطبي) فيرى أنه حق لمجموعهما، أي: للأرض
والزرع [1].
تترتب على هذا الاختلاف في النظر في مناط الزكاة أحكام شرعية، مثل:
حكم ضياع الزكاة وهلاك بعض المال قبل الإخراج، أو موت المكلف الذي لم
يخرج الزكاة، أو عند بيع المنتج الزراعي وقد وجبت فيه الزكاة، فعلى من تقع
الزكاة، على البائع أم على المشتري والوارث؟، وكذلك في حالة الهبة، هل هي
على الواهب أو الموهوب له، أما ما تجب فيه الزكاة من الإنتاج النباتي فقد اتفق
العلماء على وجوب الزكاة في أربعة أصناف، من الحبوب: الحنطة، والشعير،
ومن الثمر: التمر والزبيب [2].
إن السبب في الاختلاف حول زكاة المنتجات النباتية يعود أولاً إلى جنس
النبات، ووفقاً لذلك: فقد قصر بعضهم الزكاة على الأصناف الأربعة السابقة، وقال
بهذا (ابن أبي ليلى)، و (سفيان الثوري)، و (ابن المبارك) [3]، ومنهم من أوجب
الزكاة في جميع المنتجات النباتية المدخرة المقتاتة، وهذا هو قول (مالك)،
و (الشافعي)، ومنهم من أوجب الزكاة في كل ما تخرجه الأرض، ما عدا الحشيش والحطب والقصب، وأخذ بهذا الرأي (أبو حنيفة) [4].
علة الاختلاف: وعلة هذا الاختلاف يرجع إلى متعلق الزكاة: هل هو فقط
للأصناف الأربعة بعينها، أو إنه يتعدى إلى غيرها إذا وُجدت العلة فيها؟.
ولهذا: فمن قصر العلة على الأعيان فقد قصر الزكاة على الأصناف الأربعة، ومن قال بأن العلة هي الاقتيات، فقد أوجب الزكاة في جميع الأشياء المقتاتة،
ولكن من اعتبر أن العلة ليست الاقتيات وإنما متعلق الزكاة هو بالأرض، فقد
أوجب الزكاة في جميع ما تخرجه الأرض إلا ما وقع عليه الإجماع، مثل:
الحشيش، والحطب، والقصب، وقد خالف بهذا المنهج القياسي، وأخذ بعموم
اللفظ مستشهداً بقول الرسول: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريّاً العشر،
وفيما سقي بالنضح نصف العشر) [5]، واعتبر حرف (ما) الوارد في الحديث
بمعنى الذي، و (الذي) من ألفاظ العموم.
وقوله (تعالى):] وَهُوَ الَذِي أََنشَأََ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ
وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ
وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [[الأنعام: 141].
أما من أخذ بالقياس وجعل العلة الاقتيات: فقد فهم من هذا العموم ومن
(الزكاة) أنما قصد منها سد الخلة، وذلك لا يكون غالباً إلا فيما هو قوت، أما من
غلّب العموم فإنه يوجبها قياساً على جميع ما تخرجه الأرض إلا ما أخرجه
الإجماع [6].
وقد أدى ذلك إلى عدم إيجاب الزكاة في الخضروات؛ بحكم أنها غير مقتاتة
ممن يرى أن علة الزكاة هو الاقتيات، وبالتالي: فإن ما تجري به الفتوى في
¥