تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الصحيح الذي وضعه له المؤلف «آداب حملة القرآن» وحقَّقه تحقيقاً نفيساً وقدم له

بدراسة قيمة فضيلة الدكتور عبد العزيز القارئ، وجدير بالقارئ أن يقرأ ما كتبه

الدكتور عبد العزيز في هذا المجال عن الكتاب وعن تحقيقه. وحسبنا هنا هذه

الإشارة.

ومنذ زمنٍ وجدنا الشيخ محمد منير الدمشقي - رحمه الله - يرفع عقيرته

بالشكوى من «العوام الذين يقرؤون ويكتبون وليسوا بعلماء ولا متعلمين، وهؤلاء

كثيرون جداً في جميع الممالك الإسلامية والبلاد العربية، وهم أغلب باعة الكتب

التي تروج بين غالب أهل الإسلام، وهؤلاء أهل مادة فقط، فكلما أرادوا نشر كتاب- كثر طلابه وتكرر استجلابه وقامت سوقه - تهافتوا عليه تهافت الفراش بدون

نظر لنفعه أو ضرره، وصحته أو سقمه، حتى إنهم ربما نسبوا الكتاب إلى غير

مؤلفه أو غيروا اسمه، وزيد عليه اسم آخر مخترع، يرغب سامعه ويشوق شاهده، وليس بغريب من أمثال هؤلاء العوام مثل ذلك، بل الذي يعجب منه ويستهجن:

إقرار العلماء على ذلك وإصرارهم على السكوت وعدم التعرض لذلك كتابة ونشراً،

ولو نبه العلماء على ذلك وبينوا أن هذا خيانة وتصرف فيما للغير بغير إذنه لا

يجوز بحال، لارتدع الناشر والطابع والمنفق، ولما تجاسر أحد على أمثال ذلك،

وإذا لم يكن العلماء يحافظون على مثل هذا وينبهون عليه، فمن المكلَّف بذلك؟»

(انظر كتابه: نموذج من الأعمال الخيرية ص 78).

وللحق لم يكن عمل هؤلاء الذين ذكرهم الشيخ باسم التحقيق الذي يتبجح به

الناس اليوم، وإنما كان الدافع لهم الحرص على التجارة الخاسرة أو الجهل والعامية، فما بال محققي القرن العشرين اليوم؟! ثم إن أولئك عوام وهؤلاء متعلمون!

ثم يفْجَأ القارئ أو طالب العلم، بعد ذلك، عناوين جديدة لعلماء معروفين،

فيظنها كتباً جديدة تنشر للمرة الأولى، فيسارع إلى اقتنائها فيجد عجباً، إذ هي

منتزعة من كتب أخرى أو مسلوخة منها سلخاً، طبعت في كتاب مستقل بعنوان

جديد، فيقال مثلا: «خصائص يوم الجمعة» تأليف شمس الدين محمد بن أبي

بكر بن قيم الجوزية. هكذا: «تأليف»، باللفظ الصريح دون الكناية أو التلميح.

وعندئذ يقطع الناشر أو المحقق قول كل قائل، إذن فالكتاب بهذا الشكل والمضمون

كتاب من تأليف فلان. ويمضي هذا التدليس دون أي إشارة إلى ذلك على غلاف

الكتاب أو صفحة العنوان الداخلية، وقد تجد شيئاً من هذا أحياناً في المقدمة على

خجل واستحياء، أو على خوف من اكتشاف التلاعب وبوار الكتاب. وقد لا تجد

هذا ولا ذاك، فتعرف الحقيقة بمجرد الاطلاع على الكتاب ومعرفة كتب المؤلف.

وهذا العمل فيه تدليس وتلبيس على القارئ، ونسبة كتاب جديد لمؤلف لم

يكتبه بهذا العنوان أو الشكل، فكأنه ينسب لرجل ولداً جديداً لم يلده!

ونجد كثيراً من الأمثلة على هذه البدعة الجديدة، يتأكَّل فيها بعض «المحققين» و «الناشرين» و «المشرفين» بأسماء أعلام كبار كابن تيمية، وابن القيم، وابن

حجر، والغزالي، والرازي وغيرهم، ويتولى كِبْرَ هذا العمل الخاطئ أصحاب

مكتبات يستغلون أسماء لها مكانتها ووقعها في نفوس المسلمين، ويشوهون بذلك

صورتهم الوضيئة في نفوس الناس، لارتباط هذا العبث باسمهم، فتجد «مكتبة

الصحابة» «مكتبة التراث الإسلامي»، «المكتبة القيمة» .. وانظر ما شئت

من هذه الأسماء التي تزين أغلفة الكتب «المسلوخة» بأقلام «أبي فلان»

و «أبي علان» (عفا الله عنهما).

وحتى لا يظن أحد أنني ألقي الكلام على عواهنه، أسوق بعض الأمثلة لهذه

التآليف المزعومة:

* «كتاب التوبة» تأليف ابن قيم الجوزية، تحقيق صابر البطاوي مكتبة دار

السنة، الدار السلفية للنشر، بالقاهرة الطبعة الأولى 1410هـ. وهو من كتاب

«مدارج السالكين» المطبوع في ثلاثة أجزاء.

* «خصائص يوم الجمعة» تأليف ابن القيم، المكتبة القيمة بالقاهرة وهو

فصل من «زاد المعاد».

* «حكم الإسلام في الغناء» لابن القيم. وعليه اسم: أبو حذيفة إبراهيم بن

محمد (وهذه المرة ليس فيها كلمة تحقيق ولا جمع ولا إعداد) مكتبة الصحابة

(رضوان الله عليهم) طنطا 1406 هـ. وهو فصل من كتاب «إغاثة اللهفان».

* «معجم التداوي بالأعشاب والنباتات الطبية» لابن القيم (أيضاً) مكتبة

التراث الإسلامي لصاحبها عبد الله حجاج، ويبدو من المقدمة أنه الذي فعل ذلك

فقال بعد أن ذكر كتاب «الطب النبوي»: قال: « .. سلخت (ما شاء الله على

هذا السلخ!) منه هذه المفردات الطبية التي وردت على لسانه -صلى الله عليه

وسلم- ... » الخ.

* «السحر والكهانة والحسد»، للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، جمع

وإعداد عبد الله حجاج - هو نفسه - مكتبة التراث الإسلامي. وهو مأخوذ من

أبواب عدة من كتاب «فتح الباري شرح صحيح البخاري» لابن حجر العسقلاني

-رحمه الله-.

* «المسيح الدجال وأسرار الساعة» تأليف العلامة محمد السفاريني، مكتبة

التراث الإسلامي، الناشر عبد الله حجاج (شاطر يا حجاج).

وكلمة تأليف تعني أنه ألّف كتاباً بهذا الاسم، وهذه هنا أكثر تدليساً. وهو

مأخوذ من الجزء الثاني من كتاب «لوامع الأنوار البهيَّه» للسفاريني ص 65 وما

بعدها. ولم يُشر حضرة الناشر إلى ذلك.

وكذلك أُخذت فصول ومباحث كثيرة من «إحياء علوم الدين» للغزالي،

و «التفسير الكبير» للفخر الرازي .. ونشرت بكتب مستقلة مثل «الموت وعذاب

القبر»، و «السحر وحقيقته .. » الخ، حتى طال الأمر، وعجزت عن تتبع

ذلك كله، مما ينبئ أن في الأمر خطورة وإلى الله المشتكى.

وليس هذا كل ما في الأمر، فإن هناك ملاحظات أخرى يضيق عنها المجال

الآن، فلنرجئها إلى مقال آخر، بإذن الله تعالى.


(1) راجع: تحقيق النصوص ونشرها، د عبد السلام هارون، قواعد تحقيق المخطوطات للدكتور المنجد، محاضرات في تحقيق النصوص للدكتور أحمد الخراط.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير