أنه غيره، وقد علق الشيخ الحميد حفظه الله على هذا السبب، بما يفيد بأن الحاكم رحمه الله، أملى المستدرك، كما سبق من كلام راويه، سنة 373 هـ، وعلى هذا يكون عمره حينئذ 50 عاما، لا 72 عاما، كما ذكر المعلمي رحمه الله.
وللحافظ رحمه الله، إعتذار آخر عما وقع للحاكم من أوهام، وهو أن المنية عاجلته قبل أن يبيض وينقح كتابه، فأملى الربع الأول منه، ثم أدركته المنية فلم يكمل الباقي، ومما يؤيد هذا القول:
§ أن عدد الأحاديث المنتقدة في الربع الأول 160 حديثا، بينما عددها في باقي الكتاب 1000 حديث، وهو عدد كبير، ولا شك مقارنة بالعدد الأول.
§ أن البيهقي رحمه الله لايصرح بالتحديث إلا فيما أخذه عن الحاكم في الربع الأول فقط من كتابه.
وممن تكلم عن تصحيح الحاكم رحمه الله، فأجاد، شيخ الإسلام رحمه الله، حيث قال: ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم، وإن كان غالب ما يصححه صحيحا، لكن هو في المصححين بمنزلة الثقة الذي يكثر غلطه، وإن كان الصواب أغلب عليه، وليس فيمن يصحح الحديث أضعف من تصحيحه، بخلاف أبى حاتم بن حبان البستي، فإن تصحيحه فوق تصحيح الحاكم وأجل قدراً، وكذلك تصحيح الترمذي والدارقطني وابن خزيمة وابن منده وأمثالهم فيمن يصحح الحديث، فإن هؤلاء وإن كان في بعض ما ينقلونه نزاع، فهم أتقن في هذا الباب من الحاكم.
وتكلم عنه أيضا ابن رجب الحنبلي رحمه الله، فقال: وقد صنف في الصحيح مصنفات أُخر بعد صحيحي الشيخين، لكن لا تبلغ كتابي الشيخين، ولهذا أنكر العلماء على من استدرك عليهما الكتاب الذي سماه المستدرك، وبالغ بعض الحفاظ فزعم أنه ليس فيه حديث واحد على شرطهما (وهو بهذا يشير إلى كلام أبي سعيد الماليني رحمه الله)، وخالفه غيره وقال: يصفو منه حديث كثير صحيح، والتحقيق: أنه يصفو منه صحيح كثير على غير شرطهما، بل على شرط أبي عيسى ونحوه، وأما على شرطهما فلا.
موضوع الكتاب:
اشترط الحاكم رحمه الله، إخراج الصحيح المجرد على شرط الشيخين، مما فاتهما ولم يخرجاه في الصحيحين، وقد رتب أحاديث كتابه، بنفس ترتيب الصحيحين (ترتيب الجوامع)، ولم يوف الحاكم رحمه الله بشرطه في أغلب أحاديث كتابه.
مسألة: قول ابن الأخرم: قل ما يفوت البخاري ومسلم من الأحاديث الصحيحة:
ويتعلق بهذه المسألة، جدوى صنيع الحاكم رحمه الله في المستدرك، لأننا إن سلمنا بصحة كلام ابن الأخرم رحمه الله، على إطلاقه، فما جدوى صنيع الحاكم إذن؟. وقد ناقش ابن الصلاح، ابن الأخرم في ذلك واحتج عليه بصنيع الحاكم في المستدرك، لأنه استدرك على الشيخين كثيرا من الأحاديث الصحيحة، واعترض ابن كثير على هذا الإحتجاج لأن الحاكم رحمه الله وهم في أغلب الأحاديث التي استدركها على الشيخين، ولكن النقاد ردوا على ابن الأخرم، بعدة ردود من أهمها:
¨ تصريح البخاري ومسلم بعدم استيعاب الصحيح حيث قال البخاري: "ما أدخلت في كتابي إلا ما صح وتركت من الصحاح خشية الإطالة"، وقال مسلم: "ما أدخلت إلا ما أجمعوا عليه".
¨ تصحيح البخاري لأحاديث لم يوردها في صحيحه وهذا ما يظهر بوضوح في بعض سؤالات الترمذي له في أحاديث أوردها في جامعه حيث صححها البخاري ولم يوردها في صحيحه كحديث: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) حيث قال عنه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: حديث صحيح.
¨ تصحيح مسلم لحديث: (وإذا قرأ فأنصتوا)، حيث قال عنه مسلم هو عندي صحيح ولكنه لم يدخله في صحيحه لأنهم لم يجمعوا عليه.
¨ اتفق الشيخان على أحاديث كثيرة من صحيفة همام بن منبه وانفرد كل واحد منهما ببعض ما فيها وإسنادها واحد، كما ذكر ذلك الشيخ أحمد شاكر في الباعث الحثيث ص208 طبعة مكتبة السنة. ومن الجدير بالذكر أنه ينبغي التفريق بين عدم استيعاب الشيخين للأحاديث الصحيحة مطلقا وبين عدم استيعابهم للأحاديث الصحيحة على شرطهما فالإستيعاب المطلق لا إشكال فيه لم تقدم من نصهما وفعلهما، وأما ما فاتهما مما هو على شرطهما فقليل لا يتجاوز عند التحقيق 100 حديث.
¥