تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

20 - لا ينبغي لعالم أن يدين بغير مادان به السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم من الوقوف على ما تقتضيه أدلة الكتاب والسنة، وإبراز [2] الصفات كما جاءت، ورد علم المتشابه إلى الله سبحانه، وعدم الاعتداد بشيء من تلك القواعد المدونة في هذا العلم، المبنية على شفا جرف هار من أدلة العقل التي لا تعقل، ولا تثبت إلا بمجرد الدعاوي والافتراء على العقل بما يطابق الهوى، ولا سيما إذا كانت مخالفة لأدلة الشرع الثابتة في الكتاب والسنة؛ فإنها حينئذٍ حديث خرافة ولعبة لاعب، فلا سبيل للعباد يتوصلون به إلى معرفة ما يتعلق بالرب - سبحانه - وبالوعد والوعيد، والجنة والنار، والمبدأ والمعاد إلا ما جاءت به الأنبياء - صلوات الله عليهم وسلامه - عن الله - سبحانه -.

وليس للعقول وصول إلى تلك الأمور، ومن زعم ذلك فقد كلف العقول ما أراحها الله منه ولم يتعبدها به، بل غاية ما تدركه، وجل ما تصل إليه هو ثبوت الخالق الباري، وأن هذه المصنوعات لها صانع، وهذه الموجودات لها موجد، وما عدا ذلك من التفاصيل التي جاءتنا في كتب الله - عز وجل - وعلى ألسن رسله فلا يستفاد من العقل، بل من ذلك النقل الذي منه جاءت، وإلينا به وصلت. ص198

21 - واعلم أني عند الاشتغال بعلم الكلام وممارسة تلك المذاهب والنحل لم أزدد بها إلا حيرة ولا استفدت منها إلا العلم بأن تلك المقالات خزعبلات فقلت إذ ذاك مشيراً إلى ما استفدته من هذا العلم.

وغاية ما حصّلته من مباحثي ومن نظري من بعد طول ii التدبر

هو الوقف ما بين الطريقين حيرة فما علم من لم يلق غير التحير

على إنني قد خضت منه ii غماره وما قنعت نفسي بدون ii التبحر

وعند هذا رميت بتلك القواعد من حالق، وطرحتها خلف الحائط، ورجعت إلى الطريقة المربوطة بأدلة الكتاب والسنة المعمودة بالأعمدة التي هي أوثق ما يعتمد عليه عباد الله، وهم الصحابة ومن جاء بعدهم من علماء الأمة المقتدين بهم، السالكين مسالكهم، فطاحت الحيرة، وانجابت ظلمة العماية، وانقشعت سحابة الجهالة، وانكشفت ستور الغواية، ولله الحمد، على أني - ولله الشكر - لم اشتغل بهذا الفن إلا بعد رسوخ القدم في أدلة الكتاب والسنة، فكنت إذا عرضت مسألة من مسائله، مبنية على غير أساس رجعت إلى ما يدفعها من علم الشرع، ويدمغ زائفها من أنوار الكتاب والسنة، ولكني كنت أقدر في نفسي أنه لو لم يكن لدي إلا تلك القواعد والمقالات فلا أجد حينئذ إلا حيرة، ولا أمشي إلا في ظلمة، ثم إذا ضربت بها وجه قائلها، ودخلت إلى تلك المسائل من الباب الذي أمر الله بالدخول منه كنت حينئذ في راحة من تلك الحيرة، وفي دعة من تلك الخزعبلات، والحمد لله رب العالمين عدد ما حمده الحامدون بكل لسان في كل زمان. ص198 - 199

22 - وبالجملة فالمجتهد على التحقيق: هو من يأخذ الأدلة الشرعية من مواطنها على الوجه الذي قدمناه، ويفرض نفسه موجوداً في زمن النبوة، وعند نزول الوحي وإن كان في آخر الزمان وكأنه لم يسبقه عالم، ولا تقدمه مجتهد.

فإن الخطابات الشرعية تتناوله كما تناولت الصحابة من غير فرق.

وحينئذ يهون الخطب، وتذهب الروعة التي نزلت بقلبه من الجمهور، وتزول الهيبة التي تداخل قلوب المقصرين. ص206

23 - ومما يزيد من أراد هذه الطبقات علواً ويفيده قوة إدراك، وصحة فهم، وسيلان ذهن - الاطلاع على أشعار فحول الشعراء ومُجِيْديهم، والمشهورين منهم باستخراج لطائف المعاني، ومطربات النكات مع ما يحصل له بذلك من الاقتدار على النظم، والتصرف في فنونه؛ فقد يحتاج العالم إلى النظم لجواب ما يرد عليه من الأسئلة المنظومة، أو المطارحات الواردة إليه من أهل العلم، وربما ينظم في فن من الفنون لغرض من الأغراض الصحيحة؛ فإن من كان بهذه المنزلة الرفيعة من العلم إذا كان لا يقتدر على النظم كان ذلك خدشة في وجه محاسنه، ونقصاً في كماله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير