ثم انْقَضَيْتَ فلا عينٌ ولا أثرٌ ... حتى كأنك يوماً لم تَكُنْ أحدا
·إن أبا بكر بن أبي الدنيا دخل على يوسف القاضي، فسأله عن قُوته، فقال القاضي: أجدني كما قال سيبويه:
لا يَنْفَع الهِلْيُونُ والأطريفلُ
انْخرقَ الأعلى وخارَ الأسفلُ
ونحنُ في جِد وأنت تَهْزلُ
·فقال: ابن الدنيا:
أراني في انتقاصٍ كل يوم ... ولا يبقى مع النقصان شيء
طوى العصران ما نشراه مني ... فأخلق جدتي نشرٌ وطي
·وقيل: أنشأ ابن مقلة الوزير داراً عظيمة فقيل:
قل لابن مقلةَ مَهْلاً لا تكن عَجِلا ... واصبرْ فإنك في أضْغاثِ أحلامِ
تبني بأنقاضِ دورِ الناس مُجْتهداً ... داراً شَتُهْدم أيضاً بعد أيامِ
ما زلتْ تختارُ سَعْدَ المشتري لها ... فلم تُقَ به من نَحْسِ بَهْرامِ
إن القرآنَ وبطليموسَ ما اجتمعنا ... في حالِ نقضٍ ولا في حال إبرامِ
·أُحرقت بعد ستة أشهر، وبقيت عبرة.
·قال إبراهيم بن فاتك: سمعت أبا يعقوب، يقول: الدنيا بحر، والآخرة ساحل ن والمركب التقوى، والناس سفر.
·ومن قول ابن علي الثقفي: يا مَنْ باع كل شيء بلا شيء واشترى لا شيء بكل شيء.
·وقال: أف من أشغال الدنيا إذا أقبلت، وأف من حسراتها إذا أدبرت. العاقل لا يركن إلى شيء إن أقبل كان شغلاً، وإن أدبر كان حسرةً.
·قال الحاكم: سمعت الأصم، وقد خرج ونحن في مسجده، وقد امتلأت السكة من الناس في ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثلاث مئة. وكان يملي عشية كل يوم اثنين من أصوله. فلما نظر إلى كثرة الناس والغرباء وقد قاموا يطرقون له، ويحملونه على عواتقهم من باب داره (إلى مسجده)، فجلس على جدار المسجد، وبكى طويلاً، ثم نظر إلى المستملي، فقال: أكتب: سمعت محمد بن إسحاق الصفاني يقول: سمعت الأشج، سمعت عبد الله بن إدريس يقول: أتيت يوماً باب الأعمش بعد موته فدقت (الباب)، فأجابني جارية عرفتني: هاي هاي (تبكي): يا عبد الله، ما فعل جماهير العرب التي كانت تأتي هذا الباب؟ ثم بكى الكثير، ثم قال: كأني بهذه السكة لا يدخلها أحد منكم، فإني لا أسمع وقد ضعف البصر، وحان الرحيل، وانقضى الأجل، فما كان إلا بعد شهر أو أقل منه حتى كف بصره وانقطعت الرحلة، وانصرف الغرباء، فرجع أمره إلى أنه كان يناول قلماً، فيعلم أنهم يطلبون الرواية، فيقول: حدثنا الربيع، وكان يحفظ أربعة عشر حديثاً، وسبع حكايات، فيرويها، وصار بأسوأ حال حتى توفي.
·جاور أبو يزيد المروزي بمكة سبعة أعوام، وكان فقيراً يقاسي البرد ويتكتم ويقنع باليسير. أقبلت عليه الدنيا في آخر أيامه، فسقطت أسنانه، فكان لا يتمكن من المضغ، فقال: لا بارك الله في نعمة أقبلت حيث لا ناب ولا نصاب، وعمل في ذلك أبياتاً.
·قال الُسٌلميُ: سمعت أبا عثمان المغربي يقول: (ليكن) تدبرك في الخلق تدبر عبرة، وتدبرك في نفسك تدبر موعظة، وتدبرك في القرآن تدبر حقيقة. قال الله تعالى: {أفلا يَتَدَبَرُونَ القُرءانَ}. جرأك به على تلاوته، ولولا ذلك لكلت الألسن على تلاوته.
·أنشدني الوليد بن بكر النحوي لنفسه:
لأي بلائِك لا تدكرْ ... وماذا يَضُرٌك لو تَعْتبرْ
بكاءٌ هنا وبُرَاحٌ هناك ... ومَيْتٌ يُساق وقبرُ حُفِرْ
وبيانَ الشبابُ وحل المشيبُ ... وحانَ الرحيلُ فما تنتظرْ
كأنك أعمى عُدِمتَ البصرُ ... كأن جَنابكَ جِلْدْ حَجَرْ
وماذا تُعاينُ نم آيةٍ ... لو أن بقلبك صح النظرْ
·قال ابن أبي زمنين:
لا تَطْمَئٍن إلى الدنيا وزُخرفِها ... وإنْ تَوَشحْت من أثوابها الحسنا
أين الأحبةٌ والجيرانُ ما فعلوا ... أين الذين هم كانوا لنا سَكَنا
سقاهم الدهرُ كأساً غيرَ صافيةٍ ... فصيرتُهم لأطباقِ الثرى رَهَنا
·قال ابن الجوزي:
·عقارب المنايا تلسع، وجُدران جسم الآمال يمنع، وماء الحياة في إناء العمر يرشح.
·ومن شعر الإسلام أبي عمر محمد بن أحمد المقدسي:
ألم تَكُ منهاةً عن الزهْوِ أنني ... بدا لي شيبُ الرأسِ والضعفِ والألمُ
ألم بي الخطبُ الذي لو بكيتُه ... حياتي حتى ينفذ الدمعُ لَمْ أُلَمُ
·أنشدني ابن الدهان:
أيها المغرورُ بالدنيا انتبه ... إنها حالٌ ستفنى وتحولْ
واجتهدْ في نَيْلِ مُلكٍ دائمٍ ... أيٌ خيرٍ في نعيم سيزولْ
¥