عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ -قَالَ وَالْيَمَنُ مِخْلَافَانِ - ثُمَّ قَالَ: يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ كَانَ قَرِيبًا من صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرْضِهِ قَرِيبًا من صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى، فَجَاءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قَالَ: فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي من النَّوْمِ، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي.
عبد الله بن عمر:
المتعبد المتهجد المتتبع للأثر المتشدِّد، كادت أن تكون له الخلافة فصانه الله وحفظه من الفتن، قَالَ نَافِعٌ: دخل ابن عمر الكعبة فسمعته يقول وهو ساجد: قد تعلم ما يمنعني من مزاحمةِ قريش على هذه الدنيا إلا خوفك.
وعن سعيد بن جبير قَالَ: رَأَيْتُ ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد وغيرهم كانوا يرون أنه ليس أحد منهم على الحال التي فارق عليها محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ غير ابن عمر.
وكان لعبد الله بن عمر مِهْرَاسٌ فيه ماء، فيصلى ما قُدِّر له، ثم يصير إلى فراشه فيغفى إغفاء الطَّائر، ثم يقوم فيتوضأ، ثم يصلي، ثم يرجع إلى فراشه، فيغفى إغفاء الطَّائر، ثم يثب فيتوضأ، ثم يصلي، فيفعل ذلك في الليلة أربع مرات، أو خمسًا.
وعن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه تلا: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا من كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [سورة النساء: 41] فجعل ابن عمر يبكي حتى لصقت لحيته وجيبه من دموعه، فأراد رجل أن يقول لأبي: أقصر فقد آذيت الشيخ.
وعن نافع، كان ابن عمر إذا قرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [سورة الحديد: 16] بكى حتى يغلبه البكاء.
وقيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله، قَالَ: لا تُطِيقونه، الوضوء لكلِّ صلاة، والمصحف فيما بينهما.
عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ: تَلَوْتُ هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [سورة آل عمران 3/ 92] فذكرت ما أعطاني الله - تعالى -، فما وجدت شيئًا أحبَّ إلي من جاريتي رضية، فقلت: هي حرة لوجه الله - عز وجل -؛ فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله - عز وجل - لنكحتها؛ فأنكحها نافع فهي أم ولده.
عن نافع قَالَ: كَانَ ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قرَّبه لربه - عز وجل -. قَالَ نافع: وكان رقيقه قد عرفوا ذلك منه، فربما شمر أحدهم فيلزم المسجد؛ فإذا رآه ابن عمر رضي الله - تعالى -عنه على تلك الحالةِ الحسنة أعتقه فيقول: له أصحابه يا أبا عبد الرحمن! والله ما بهم إلا أن يخدعوك، فيقول ابن عمر: فمن خدعنا بالله - عز وجل - تخدَّعنا له، قَالَ نافع: فلقد رأيتنا ذات عشية وراح ابن عمر على نجيب له قد أخذه بمالٍ عظيم؛ فلما أعجبه سيره أناخه مكانه، ثم نزل عنه، فقال: يا نافع انزعوا زِمامه ورحله، وجللوه وأشعروه، وأدخلوه في البدن.
وعن ابن سيرين أن رجلًا قَالَ: لابن عمر أعمل لك جَوَارِش، قَالَ: وما هو؟ قَالَ: شيء إذا كَظَّك الطَّعام فأصبت منه سهل، فقال: ما شبعت منذ أربعة أشهر، وما ذاك أن لا أكون له واجدا، ولكن عهدت قومًا يشبعون مرة، ويجوعون مرة.
قَالَ الذَّهبي: وأين مثل ابن عمر في دينه، وورعه، وعلمه، وتألهه، وخوفه، من رجل تعرض عليه الخلافة فيأباها، والقضاء من مثل عثمان فيرده، ونيابة الشّام لعلي فيهرب منه، فالله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب.
عبد الله بن عباس:
بدر الأحبار، والبحر الزَّخار، دعوة النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالفقه والتفسير.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ.
¥