فهذه النسبةتدل على شرفهم .. بخلاف مطلق طلبة العلم .. فلا يلزم أنْ يكونوا أرفع درجة من الذينآمنوا .. حتى يحققوا ما تعلموه ويدعوا إليه ويصبروا على الأذى فيه ولا يتنكبواالطريق .. فإنْ خالفوا مجاملة لسلطان أو طمعاً في منصب أو رياسة أو تقديماً لخشية أحدوملامته على خشية الله تعالى .. إلخ .. فإنما يتبعون أهواءهم .. وهم حيئنذ من شرارالخلق .. فعلم أن هناك علماء ربانيين .. وعلماء سوء .. في كل زمان ومكان.قال ابنالمبارك رحمه الله تعالى ورضي عنه:وهل أفسد الدين إلا الملوك .. وأحبار سوءورهبانها.
((ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما)).دلّت الآية أن الفهمأخص من العلم ..
فعلى طالب العلم أن يحرص على الفهم العميق لأنه نادر حتى في ذكرهفي الكتاب العزيز فلم ترد مادة "فهم" في القرآن العظيم .. إلا في هذا الموضع .. فذلكمما تتفاوت فيه مراتب العلماء والمجتهدينوإسناد التفهيم لله تعالى .. يتضمنالتذكير بعدم الاغترار .. على طريقة من قال"إنما أوتيته على علم عندي"
فهناك منطلبة العلم من لسان حاله كذلك .. وإن لم يتفوه بلسان المقالولهذا أحسن كثير منالعلماء .. في السنة التي درجوا عليها بتسمية كتبهم .. بالفتح ..
كفتح الباري .. وفتحالمبدي .. وفتح المغيث .. اعترافا منهم وإقرارا بأن الله هو من منّ عليهم بالفتوحاتوعلمهم.
وقل رب زدني علما"
هذا الأمر الرباني في حق أعلم الخلق .. فتعينعلى سالك طريق العلم ..
أن يتخذ له زادا من هذا الدعاء ونظائره .. يعينه على بلوغمرامه من التوقيع عن رب العالمينوالقيام بمهمة المرسلين .. والدعوة إلى اللهتعالى ..
ولم يرد طلب الاستزادة من شيء بلفظ اشتق من "الزيادة " في كتابالله .. إلا العلم ..
فتدبر!
((قلالحمد للهبل أكثرهم لايعلمون)) لعلالحمد مما يمتاز به أهل العلم .. وكما في الآية الأخرى""هل يستويان مثلاالحمدللهبل أكثرهم لايعلمون"
فتجد أحدهم إذا استفتي بدأ جوابهبالحمدلة .. شكرا لله أنه علمه هذا الذي سيجيبهوعندما علم الله تعالى سليمان عليهالسلام منطق الطير والدواب .. وسمع كلام النملة قال"رب أوزعني أن أشكر نعمتك التيأنعمت علي"
والآية تربط بين العلم والحمد من طرف خفي .. فكان لزاما على الطالب أنيستحضر نعمة الله وشكره في كل شيء فهمه وحفظه .. ويستودع الله تعالى بهذا الحمد أنيبارك في علمه ..
وأختم باستنباط الفوائد من أشهر قصة علمية .. وهي رحلة موسى عليهالسلام لطلب علم الخضر .. وفيها جماع ما تفرق في الآيات من شروط وأسباب لطلب العلموالترقي فيه ..
- أول شيء- الإخلاص .. وهذا الشرط جامع مانع .. وذِكره علىالتحقيق .. يقود إلى ما سواه .. وهو شرط في كل عمل .. وشطر لقبوله ... عند الله سبحانهوتعالى ويظهر إخلاص موسى عليه السلام منذ مطلع القصة حيث قال"لا أبرح حتى أبلغ مجمعالبحرين "
فهذا الإصرار بهذا النفي المقيد بانتهاء غايته .. وهي لقاء الخضر عليهالسلام .. ليتعلم منه ..
والحق أن كل آيات القصة تنضح ببيان إخلاص موسى عليهالسلام
ثانيا-الغربة والعزلة .. في طلب العلم .... فكل من ألف خلطة الناس .. وأكثر من تندرهمع الخلان والأصحاب والأهل .. لايمكن أن يصبح عالما ..
ولهذا سافر موسى عليه السلاممع فتاه لطلب العلم وقال"أو أمضي حقبا" .. أي مهما سرت من أحقاب الزمان فلن أبرح .. حتىبلوغ غايتي وهي الخضر .. ليعلمني .. ولهذا لاتجد في سيرة العلماء .. من لم يرتحل أوينعزل في طلبه .. كل بحسبه .. وليس معنى هذا الانقطاع الكلي عن الأبوينوالزوج .. ونحوهم .. ولكن أدنى الكمال في ذلك .. أن يقتطع الإنسان من وقته جزءامعلومافي بيته يداوم عليه .. يكون فيه منكبا على العلم والنهم به .. ولايزاحمه فيوقته هذا أحد .. وقد سئل مالك عن رجل محكوم بالقتل .. ماذا يفعل إلى حينقتله .. قال: يتعلم علما!
وترك الشافعي قيام الليل ليلة مبيته عند أحمد حتىاستعظمته فاطمة بنته على سبيل الإنكار .. فلما سأل الإمام أحمد في صبيحة اليوم عللذلك بأنه كان يتفكر في قضية فقهية فرع عليها نحو سبعين مسألة وهو مضطج!
ثالثا-الكفاف في الطعام والمتاع والتقلل منه بما يقيمالصلب ..
¥