تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مصلحةِ الإسماعِ بغضِّ النّظرِ عن موادِّه المركبّةِ وأدواتِه المستعملةِ في زمانِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم، ومتى احتيج إلى منبرٍ مغايِرٍ في شكلِه ونمطِه وعلوِّ درجاتِه جاز ذلك تحقيقًا للمصلحةِ، وقد زاد مروانُ في خلافةِ معاويةَ رضي الله عنه على منبرِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم ستَّ درجاتٍ مِن أسفلِه، وقال: «إنّما زِدْتُ فيه حين كَثُرَ النّاسُ» (9 - «فتح الباري» لابن حجر (2/ 399). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_9')))، ونقل أنّ معاويةَ رضي الله عنه هو أوّلُ مَنْ بلغ بدرجاتِ المنبرِ خمسَ عشرةَ مرقاةً (10 - «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 157)، «التراتيب الإدارية» للكتاني (2/ 440). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_10'))).

فجوابُه: إذا تقرّر أنّ الأصلَ في التّأسّي به صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم في فعلِه أنّه لا يقتضي الاستعانةَ المثليّةَ بالأدواتِ المقترِنَةِ بفعلِه، فإنّ ذلك مشروطٌ بما إذا لم يَقُمْ دليلٌ أو اقترن به ما يبيّن أنّه مقصودٌ لغرضٍ شرعيٍّ، فإنّه يصبح –حالتئذٍ- مطلوبًا –شرعًا-، فموافقةُ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم لتميمٍ الدّاريِّ رضي اللهُ عنه حين قال له: «ألا نتّخذ لك منبرًا يحمل عظامَك؟» قال: «بَلَى»، فاتّخذ له منبرًا (11 - أخرجه أبو داود في «الصلاة»، باب في اتخاذ المنبر رقم (1081)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» في «الصلاة» (3/ 195) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، باب مقام الإمام في الصلاة، وصحّحه ابن حجر في «فتح الباري» (2/ 490) وقال: «إسناده جيد»، والألباني في «السّلسلة الصّحيحة» (1/ 624). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_11')))، وكذا إقرارُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم لذلك المنبرِ والارتقاءُ عليه والاستنادُ إليه في الخُطبِ يدلّ على مطلوبيّةِ المنبرِ بالأوصافِ المُقَرِّ عليها لعمومِ الأمرِ بالاقتداءِ به صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم واتّباعِ سنّتِه، لذلك بقي المنبرُ النّبويُّ في عهدِ الخلفاءِ الرّاشدين على حالِه بأوصافِه جميعًا بما في ذلك كونُه ذا ثلاثِ درجاتٍ مع ازديادِ عددِ المصلّين وكثرةِ الوافدين على مسجدِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم، ناهيك عنِ الاستعانةِ في الخطبِ بمنابرَ ذاتِ أوصافٍ منهيٍّ عنها: إمّا لأجلِ ما فيها مِنَ التّشبّهِ باليهودِ والنّصارى في خصوصيّةِ منابرِهم وعاداتِهم الدّينيّةِ، وإمّا لتضمُّنِها النّقوشَ والسّتائرَ والفُرُشَ وغيرَها؛ لورودِ التّصريحِ بالنّهيِ عن زخرفةِ المساجدِ، والمنبرُ مِن خصوصيّاتِ المسجدِ، وإمّا لترتُّبِ مضارٍّ على المصلّين بوجودِ أوصافٍ منهيٍّ عنها كقطعِ الصّفوفِ وحجْبِ الرّؤيةِ عنِ المصلّين ونحوِ ذلك، وتعلُّقُ أحدِ الأوصافِ بالأدواتِ المستعانِ بها على الخطبةِ يُكْرَهُ، فما الظّنُّ بمَنِ اجتمعتْ عنده كلُّ الأوصافِ المنهيِّ عنها؟

أما نسبة الزيادة في عدد درجات المنبر إلى معاوية رضي الله عنه فمما لا يثبت عند أئمة الحديث (12 - انظر: «الأجوبة النافعة» للألباني (67). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_12'))).

أما الاستدلال بالمصلحة فمن ضوابطها أن لا تكون مصادمة لنص أو إجماع، وأن تعود على مقاصد الشريعة بالحفظ والصيانة (13 - «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (11/ 343). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_13')))، وأن لا تعارضها مصلحة أرجح منها أو مساوية لها، وأن لا يلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها (14 - «المصالح المرسلة» للشنقيطي (21). (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_14'))).

فالحاصلُ أنّ عمومَ المنابرِ المحدثةِ –فضلاً عن مخالَفتِها الظّاهرةِ لهديِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم في صفةِ منبرِه- إلاّ أنّها تتجلى فيها سنّةُ اليهودِ والنّصارى في بِيَعِهم وكنائسِهم، وتختفي فيها مظاهر سنية كثيرة كبروزِ الإمامِ، والتّعليمِ وبيانِ الأحكامِ سائر الأيام، واستقبالِ الناسِ الإمامَ، والتّحليقِ عليه وغيرِها، فحَرَمُوا أنْفُسهم مِنْ هذا الخيرِ كنتيجةٍ حتميّةٍ مرتَّبةٍ على مخالَفةِ سنّةِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير