و قراءتي العجلى هذه لابد أن تغفل عن أشياء في مشهد الراية وخارطة الطريق؛ فهذا الموضوع و أمثاله يحتاج إلى صبر صيرفيّ،و هو من الدُّرِّ الذي يزين جيد الفصيح!
وعليكم السلام ورحمة الله ..
رؤية معرفكم هنا د/ علي من المبهجات , فحياكم الله قارئا مهيبا خبر الشوارد والأوابد، وتفرد بفحص الأفراد والعيون ..
نتفق أولا على أن للنص قراءات بعدد قرائه , وقد ألفتُ شعر المتنبي حتى لكأني أسمعه وأبصره حسب طاقة سمعي وفي حدود حدة نظري ..
قد ترى الراية حمراء إن ركزت على الانتفاضة , وأراها بيضاء ناصع لونها في المطلع ..
ليس لديه ما يريحه فضلا عن ما سيخسره ..
قد ترى فيها استراحة المحارب "قائد العسكر " إن وقفت على الأنفة في تقريع الهاجِر , وأرى فيها نصائح هادئة من شيخٍ حكيمٍ حزين ..
والتمس لي عذرا فتخيل: أنك تعرف صديقا يحثك حثا على الكفاح ,يدفعك دفعا إلى أعلى الهمم، يلح عليك:" عش عزيزا أو مت وأنت كريم " ثم تمر سنوات .. فيجلس بقربك ويحدثك عن حقيقة الحياة والموت، ويقول لك: لا تهتم لشيء , لا تفرح بصدق ولا تحزن بعمق، كل شيء زائل! حتى أمانيك لا بأس إن لم تتحقق, لا تكترث لشيء .. ألَن تتساءل: لماذا تغير؟ أي ُ إحباط يغلف هذه النصائح! أليس هذا عين الاستسلام للواقع! "ولا أقصد الاستسلام الظاهري "
أراها الراية البيضاء لأنها من بداية المرحلة الثالثة والأخيرة في حياته عند بعض النقاد: مرحلة الحكمة الهادئة
حين سُحب من جبهات المعارك لجأ إلى إنشاد الحكم الشجية.
- ((يصفه كأنما هو شيءٌ دون طموح النفس، وأقل مما تبلغه النفوس الكبيرة!
إنّه ـ باختصار ـ يتعالى عليه، و يراه أقل من أن يبلّغه ما تطمح إليه تلك النفس، فصنعة المعنى هنا قريبةٌ من قوله:
ومراد النفوس أصغر من أن = نتعادى فيه و أن نتفانى))
لا فض فوك أستاذي!
هذه هي مرحلة الرضا والتسليم ..
هذه هي مرحلة حب السلام وبغض الحرب "كلما أنبت الزمان قناة " , فبعد أن كان يقف أمام تجارب الحياة وتحدياتها وقوف الند للند رأى أن الموضوع لا يستحق " وأن الزمن ليس غاية منتهاه " ..
مرحلة عمق التفكير في حقيقة الموت والزوال وجواهر الأشياء لا مظاهرها ..
إنه هنا ينتقل من عنفوان الإرادة واندفاع التأثير وثورة التغيير .. ينتقل إلى التكيف .. يأتي مسالما , إن تنكر له محبوه رد لهم بأنفة أنه لن يهتم واحتفظ ببقية وفاء في آخر القصيدة .. وهو الذي كان إن عتبوا عليه يقول: "أموت مرارا وأحيا مرارا "
أستاذي الكبير: لم يشعر بتعب الكبار إلا في السنوات اللاحقة، حتى أنك تستطيع تمييز القصيدة التي تسمعها إن كان قالها في مصر للشجن الطاغي والانهزام الداخلي والاستسلام الكئيب للمحبطات "أصخرة أنا؟ "
في مصر وبعد أن يئس من سيف الدولة أعطى الكثير من الدروس الحياتية التي تصلح أن تكون خارطة طريق نحو الفهم النفسي للتكيف مع التجارب العنيفة , وهنيئا لمن استمتع فوعى مفاهيمها!
جزيتم خيرا ..
ولكم صادق الامتنان ..
ـ[الباز]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 12:57 ص]ـ
شكرا جزيلا للأستاذة أحاول أن ..
موضوع شيق و دراسة رائعة زادها الحوار نضارة و جمالا ..
سردك للموضوع رائع و حججك قوية و حجج أخينا د. علي الحارثي أيضا قوية
و قد وقعتُ في حيرة بينكما ?
سأحاول -إن شاء الله- إعادة قراءة القصيدة و قد أعود لمشاركتكم هذا الحوار المفيد ..
فقط لدي رأي قد يكون غير دقيق في البيت الأول:
بم التعلل , لا أهل ولا وطن ولا نديم ولا كأس ولا سكن
أرى في البيت هنا صورة الرجل الذي ليس لديه شيء يخسره
و من كانت تلك صفته فهو لا يُقهر ?
أنا في شوق لبقية الحوار و لبقية الشعراء ممن رفعوا الراية خصوصا
و أني رأيت اسم أبي فراس فهو عندي مقدَّمٌ على المتنبي في بعض الأغراض
ـ[أحاول أن]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 01:33 ص]ـ
شكر الله لك طيب ثنائك أستاذي: الباز ..
رأي أفخر به وأعتز ..
ذكرتُ أنه ليس لديه ما يخسره في المطلع , والحقيقة ما ذكرتم أنه لا يُقهر؛ لكن متى؟
هو الفارس المثالي، لكن أين؟
إن أُخذ إلى ساحات المعركة ..
أما وهو يبحث عن "التعلل " عن الراحة والسكينة فأنَى له!
اقرأها أستاذي ثم مرحبا باتفاقك أو اختلافك , سيرى كل منا أهم ما في القصيدة حسب مقتضى الحال كما فعلت المرأة في رواية أبي سهيل!
¥