يسعى ليوسع ميتاً أحياءَ
وبعثته حياً. ودست مشككاً
وصفعتَ همازاً به مشَّاءَ
وقمرت شر مقامر وكسبته
وسلبته أوراقه السوداءَ
ورددت كيد مكايد في نحره
واصطدته بشباكه إغراءَ
ولففتَ رأس «الأفعوان» بذيله
وقطعتَه، وخطبتَها بتراء
وصنعت معجزة «القناة» ورعتهم
وسقيتهم حمم الجحيم الماءَ
وعصرتَ طاقات الجموع، ورزتها
فوجدتها ولاَّدةً عشراء
وجسستَ أوتار النفوس فوقعت
لك طوعاً أنغاَمها السمراءَ
ألقتْ إليك قلوبها وعروقها
سمحاءَ ما شاء الندى معطاء
فإذا نطقتَ ملكتَ مهجةَ سامع
وخشوعها، والسمعَ والإصغاءَ
وإذا سكتَّ أشاع صمتُكَ رهبةً
حتى يُخال كتيبةً خرساءَ
أثني عليك .. على الجموع يصوغها
الزعماء، إذ هي تخلق الزعماءَ
ورؤى «حزيران» وحسبك أنه
يُحيي لنا برؤاه «عاشوراء»
ناهضتَ فانتهضتْ تجر وراءها
شمم الجبال عزيمة ومضاءَ
واقتدتها فمشتْ يُسَدِّدُ خطوها
أن كنت أنت دليلها الحداءَ
ونُكسْتْ فانتكستْ. وكنتَ لواءها
يهوي، فما رضيتْ سواك لواء َ
ثقة يحار بها النهى، ومعزة
تاهت على هام السهى خيلاءَ
قالوا عمى في العاطفات وندرة
بعث الزعيم عواطفاً عمياءَ
كانوا وعاةً يأخذون طريقهم
للموت، لا غفلاً، ولا أجراءَ
خار الضعاف دروبهم، وتخيرت
همم الرجال مشقة وعناءَ
ما كان ذنبك أن يطول على السرى
ليل يطيل صباحُه الظلماءَ
يطوي عليه الناكصون جناحهم
ويضم تحت جناحه العملاءَ
كَلاَّ، ولا ذنب الجموع بريئة
عذراء من غصب العفاف براءَ
ما كان ذنب كليكما عدد الحصى
أمم تهين بوطئها الحصباء
يا مصر، نحن الحالمونَ كما ادعوا
حاشا، وبئستْ نزعة تتراءى
إنَّا رئات في حنايا أمةٍ
راحت بنا تتنفس الصعداءَ
لم نأتِ بدعاً في البيان وإنما
كنا لما حلمتَ به أصداءَ
لسنا ملائكةً ولكنْ حسبنا
إغراؤها، لنقاوم الإغراءَ
نلقى بما وهبتْ لنا من وحيها
عن كل ما تهبُ الحياةُ عزاءَ
لا هُمَّ عفوك إننا من قلة
خُلقتْ لتعطي حقها الأشياءَ
خلقت لتدرك ما يخامر نملةً
في زحفها، وحمامةً ورقاءَ
لتعيش مأساة الخليقة كلها
ولتستبين دواءها والداءَ
وارحمنا للمبصرينَ تكلفوا
أن يسدلوا عما يسرون غشاءَ
دوتْ حماسات الرجال، وأرزمت
حتى لتستبق الجمال رغاءَ
ما أشجع «الآساد» تعجز كلها
عن أن تنازلَ حية رقطاء
خمس مئوون .. ملة وعروبة
تعطي الصغار ثلاثة لقطاءَ
تلهو و «ثاني القبلتين» مباحة
وتعيِّيدُ «المعراجَ والإسراء»
وتزخرف الحلقاتِ كل عشية
لتقيم «زاراً» أو تشن دعاءَ
وتكدس الذهبَ الحرام كأهله
تجد الحياة مذلة وثراء
وتطارد الفكر الشريف كأنها
منه تطارد «هيضةً» ووباءَ
ويشارك «الدستور» وعي مناضل
بالمجرمين عقوبةً وجزاءَ
وتفلسف الجور العسيف وتجلد
الدين الحنيف ليستحيل غطاءَ
من فوق أعناق المشانق تدلى
خير الرءوس شهامة ووفاءَ
وتكاد أقبية السجون غضاضة
وأسى تصيح لترحم السجناءَ
وتعود تعجب كيف كان مكانها
من حيث تنطلق الحياة وراءَ
فيم التعجب؟ لا نُحمِّل وزرنا
قدراً، ولا ما نحن فيه قضاءَ
رحنا نقص من الجناح قوادماً
وخوافياً قَصَّ الغرير رداءَ
ونزف لا الأرض الوطيئة نرتضي
وكراً ولا يرقى الجناحُ سماءَ
ساءلتُ نفسي لا أريد جوابها
أنا أمقت الضراع والبكاءَ
أترى صلاح الدين كان محمقاً
أن يستشيط حمية وإباء
أم عادت «القدسُ» الهوان بعينه؟
أم عاد دينُ المسلمين رياءَ
يا ابن «الكنانة» وابن كل عظيمة
دهياء تحسن في البلاء بلاءَ
أعززْ علينا أن تساء منبئاً
ما كنت تكرع، مثلها أنباء
ذُبِحَ «الفداة» ورحتَ أنت ضحية
عنهم، وما أغنى الفداءُ فداءَ
ذبح «الفداة» وليت ألفي ذابح
عن أصبع منهم يروح وقاءَ
واخزية «الأردن» صبغ ماؤه
من خير أعراق لديه دماء
لا طاولتْ شمس النهار ضفافَه
وتساقطت رجماً عليه مساءَ
نذروا لأشلاء الغزاة بغربه
فتساقطوا «شرقيه» أشلاءَ
تلك العظام سيستطيرُ غبارها
يعمي الملوك، ويطمر الأمراءَ
وإذا عجبت فأن يضم رهيمها
من حوله «الفرقاء» والفرقاءَ
لجأوا لأدبار «الحلول» فسميتْ
وسطاً، وسُمىَ أهلُها وسطاءَ
يا مصرُ، يا حلم المشارق كلها
من عانت الأحلامَ والأهواءَ
يا بنت «نيلك» من عذوبة جَرْسه
نغماتُ جرسك رقةً وصفاءَ
حضن الحياة صبية فمشتْ به
ومشى بها يتباريان سواءَ
يقظى ليقظان يهز سريرها
لم تقو في شطآنه إغفاءَ
¥