تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيبدو أنَّ الشاعر الأندلسي أراد من معارضته لشعراء المشرق التفوق عليهم ومِن ثَمَّ إثبات الذات الأندلسية وتأكيد قدراته وقد اُعجِبَ ابن عبد ربه في عقده بقصيدته هذه فقال: (من نظر في سهولة هذا الشعر مع بديع معناه ورقة طبعه، لمْ يَفْضُله شعرُ صريع الغواني عنده إلا بفضل التقدم) (10)

(ولاشكَّ في أنَّ الشاعر المجيد هو الذي يرتفع بهذا التراث ويوسع مداه ويفتح آفاقاً جديدة توجه الأجيال الوجهة الصحيحة) (11)

أقسام المعارضات الشعرية

1) معارضة الأندلسيين للمشارقه (وقد تقدَّمت بين ابن عبد ربه و مسلم بن الوليد)

2) معارضة الأندلسيين فيما بينهم (ويدخل ضمنها الممحصّات) (والممحصّات: هي قصائد يعارض فيها قصائد تقدمت في حياته الأولى يلتزم الوزن والقافية وحرف الروي ولكنَّه ينقض نزعته المتساهلة في باب الغزل) (12)

(قال ابن عبد ربه في معارضته لنفسه (الممحصّات): (وقد ظهر تأثره الواضح بالقرآن الكريم)

يا عاجزاً ليسَ يَعْفُو حِينَ يَقْتدِرُ ولا يُقضَّى له مِن عَيشِهِ وَطَرُ

عايِنْ بِقَلْبِكَ إِنَّ العَين غافِلَةٌ عَنِ الحقيقَةِ وَاعْلَمْ أَنَّها سَقَرُ

سَوداءُ تَزْفرُ مِنْ غَيْظٍ إِذا سُعِرَتْ للظالمينَ فما تُبقي ولا تَذَرُ

إنَّ الَّذينَ اشْتَرَوا دُنْيا بِآخِرةٍ وَشِقْوَةً بِنَعيمٍ ساءَ ما تَجَروا


10) اتجاهات الشعر الأندلسي إلى نهاية القرن الثالث الهجري / الدكتور نافع محمود ص 118
11) اتجاهات الشعر الأندلسي إلى نهاية القرن الثالث الهجري / الدكتور نافع محمود ص 118
12) الأدب الأندلسي / للدكتور منجد مصطفى بهجت ص 87

استعان الشاعر في هذه الأبيات بالآيات القرآنية بصورة مباشرة (وقد ظهر تأثره الواضح بالقرآن الكريم) في نقل ورسم هذه الصور في قوله تعالى ({تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} الملك8) * وقوله تعالى ({إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً}) ** وقوله تعالى (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ()

3) معارضة المشارقة للأندلسيين (نونية ابن زيدون عارضها كثير من المشارقة منهم احمد شوقي، وكذلك قصيدة يا ليل الصبّ التي عارضها الكثيرون

قال احمد شوقي معارضاً ابن زيدون في نونيته المشهورة:
(يا نائِحَ الطَلحِ أَشباهٌ عَوادينا نَشجى لِواديكَ أَم نَأسى لِوادينا) (14)

الخاتمة
بعد هذه اللمحة السريعة للمعارضات تتضح عدة أمور منها إنَّ المعارضات تكاد تكون سمة لذلك العصر سواء كانت (في الشعر أم في النثر أم في الحياة الاجتماعية) والمعارضة الشعرية ظاهرة إبداعية خارجة عن التقليد لأنَّ الشاعر قد يصوغ الفكرة صياغة جديدة وهذا ليس تقليداً ويضيف الدكتور محمد شهاب العاني (إنَّ الشاعر صاحب الموهبة يستطيع أن ينظم قصائد ليس فيها معارضات ويتجه للمعارضات لإثبات الذات) بالإضافة إلى أنَّ المعارضة لم تقتصر على الشعر في العصر العبّاسي فقط كي تكون تقليداً. إنما كانت لمختلف العصور. ويرى الدكتور محمد شهاب العاني (إنَّ نظرة أهل الأندلس للمشرق أنَّها القمة الراقية التي لابُدَّ من الوصول إليها بما أنَّها عاصمة الدنيا فينظرون لها نظرة انبهار وديدنهم هل يستطيعون الوصول إليها) فهو إن دلَّ على شيء إنما يدل على الإبداع كما لا اُنكر انه كانت معارضات سائرة على التقليد والتي قال فيها الدكتور محمد شهاب العاني (بعض العلماء يقولون: إنَّ الشاعر لا يبدع وإنما يتكيء على قصيدة ويحاول أن يسير على منوالها). ولكن اشهر ما قيل في المعارضات أنَّها إبداع، والله اعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير