تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أصاح ترى برقا أريك وميضه **** كلمع اليدين في حبي مكلل

وكما وقف أوس بن حجر يتلمس السحاب وقد أطبق عليه، وتهدلت أذياله وفجره الرعد بالقطار:

دان مسف فويق الأرض هيدبه **** يكاد يدفعه من قام بالراح

كأن فيه إذا ما الرعد فجره **** دهما مطافيل قد همت بارشاح

ويشتد ابتهاجهم عندما تهب الريح من جهة اليمن، فإنها تأتي رخاء وتبشر بمطر غزير وخصب قريب، ولذا اشتقوا معنى اليمن من الريح اليمانية، كما اشتقوا معنى التشاؤم من الريح الشامية لأنها تأتي بالبرد والصقيع، وتنذر بانقطاع المطر.

والبدوي يؤثر البرد في جسمه، ولا سيما الفقراء في أطمارهم البالية، والمسافرون الذين يخبطون الليل في الصحراء، حتى انهم سموا البرد نحسا لتطيرهم منه، وقد يضطر البدوي أن يحطم قوسه ويشعلها للتدفئة وهي عزيزة عليه، قال الشنفرى:

وليلة نحس يصطلي القوس ربها **** وأقطعه اللاتي بها يتنبل

وقد وصف الشاعر صحراءه في بردها وحرها، في برقها وأمطارها، وأحاط بجبالها وسهولها، وتكلم على أشجارها ونباتها، وذكر طيرها وحيوانها، وأخرج عن الأماكن التي يمر بها في ترحله مصورا جغرافيا يكاد يكون وافيا، ووصف الليل الطويل وما ينتابه في ظلامه من الخوف والأرق، قال امرؤ القيس:

فيا لك من ليل كأن نجومه **** بكل مغار الفتل شدت بيذبل

وقلما خرج إلى تصوير الطبيعة الحضرية الغنية بمياهها وأشجارها، ولم يستفيضوا في الكلام على البحار لأن سوادهم يقطن في قلب الصحراء، وما غرروا بأرواحهم فركبوا في السفن، وكافحوا جنون الأمواج، فما له عندهم إلا ذكر عارض نرى له مثالا في معلقة طرفة بن العبد وهو ربيب البحرين.

على أن الشاعر الجاهلي في ماديته الكثيفة، لم تظهر عنده عاطفة الطبيعة واضحة جلية، فكان ينظر إليها مبتهجا أو مكتئبا لمرآها، لا يستطيع أن يعبر عن اختلاجات نفسه حولها.

ثامنا: الخمريات:

كان أهل الجاهلية أصحاب لهو وشراب، ويدلنا على مبلغ كلفهم بها وإخبارهم عنها، مافي المعجم اللغوي من أوضاع لها لا تكاد تقل عما للبعير من أسماء وصفات.

مع أن الصحراء ليست موطنا للكروم والمعاصر ما خلا بعض البلدان الصالحة لغرس الأعناب والنخيل.

ولم نعثر على شعر جاهلي يفرق بين الشرابين أو بين النبيذ والراح، وإنما نجد هذا الفرق في الإسلام.

على أن الشعر الخمري يتحدث عن التجار الغرباء، يهود أو نصارى، يأتون البادية بزقاق الخمر من نواحي الشام والعراق، ويخالطون قبائل الأعراب، فينصب التاجر خيمة ويرفع عليها راية يسمونها الغاية، فيقبل نحوها الشاربون حتى تفرغ الزقاق، فيقفل إلى بلده، ويتحدث أيضا عن الشعراء الذين ينزلون الحواضر، ويشهدون فيها مجالس اللهو والشراب، ويسمعون غناء القيان، قال الأعشى:

ومستجيب تخال الصنج يسمعه **** إذا ترجع فيه القينة الفضل

ويبدو من كلامهم أن معاقرة الخمر من علامات الفتوة عندهم، قال طرفة:

ولولا ثلاث هن من لذة الفتى **** وحقك لم أحفل متى قام عودي

فيفخرون بما بذلوا من المال لأجلها، فقد أنفق طرفة ثروته عليها ولم يجد غضاضة في ذلك، واستهلك عنترة ماله مباهيا بكرمه:

وإذا شربت فإنني مستهلك **** مالي وعرض وافر لم يكلم

ويؤدون أثمانها في الغالب، نوقا أو جيادا أو ثيابا لقلة الدراهم لديهم، قال طرفة:

وإذا ما شربوها وانتشوا **** وهبوا كل أمون وطمر

ويعتد صاحبها بأنه يشرب ويسقي ندماءه حتى تلومه العذال، ويمدحون الشارب إذا أنزل غاية التاجر أي اشترى جميع ما عنده من الخمر، قال عنترة:

ربذ يداه بالقداح إذا شتا **** هتاك غايات التجار ملوم

على أن التمدح بعقارها وإغلاء أسعارها لم يصرف الشاعر عن وصفها وذكر مجالسها، وربما اغتبقوها مساء بعد أن يلطف الجو ولكنهم أكثروا من ذكر الصبوح، قال عدي بن زيد:

ثم ثاروا إلى الصبوح فقامت **** قينة في يمينها إبريق

قدمته على عقار كعين الديك **** صفى زلالها الراووق

ووصفوا لون الخمرة من كميت أو حمراء كدم الذبيح أو دم الغزال، صافية كعين الديك، قال متمم بن نويرة:

ولقد سبقت العاذلات بشربة **** ريا وراووقي عظيم مترع

جفن من الغربيب خالص لونه **** كدم الذبيح إذا يشن مشعشع

ونوهوا بطعمها ورائحتها وقدم عهدها، هي تلذع اللسان، وتنفح كالمسك، كما وصفوا النديم والساقية، وعند الأعشى شيء كثير من ذلك، ولعبدة بن الطيب في قصيدة المفضليات، ذكر فيها مجالس لهوه بإسهاب جميل.

وعبروا عن حبهم لها في شعور صادق، وأحاطوها بكل كرامة، قال أبو محجن الثقفي وهو من المخضرمين:

إذا مت فادفني إلى أصل كرمة **** تروي عظامي بعد موتي عروقها

ولكن الخمرة لم تسلم من ذم بعضهم والابتعاد عنها وانكارها، قال قيس بن عاصم:

رأيت الخمر صالحة وفيها **** خصال تفسد الرجل الحليما

فلا والله أشربها صحيحا **** ولا أشفي بها أبدا سقيما

ولا أعطي بها ثمنا حياتي **** ولا أدعو لها أبدا نديما

المعلقات

هي أجود ما وصل إلينا من الشعر الجاهلي، وتسمى السموط أي العقود.

قال أبو زيد القرشي في كتابه جمهرة أشعار العرب، إن أبا عبيدة قال: أصحاب السبع التي تسمى السموط: امرؤ القيس، وزهير، والنابغة، والأعشى، ولبيد، وعمرو بن كلثوم، وطرفة.

وقال المفضل: من زعم أن السبع التي تسمى السموط لغير هؤلاء فقد أبطل، فأسقط من أصحاب المعلقات عنترة والحارث بن حلزة وأثبت الأعشى والنابغة.

تعليقها على البيت الحرام:

اختلف في تسميتها المعلقات فزعم بعضهم ومنهم ابن عبد ربه وابن رشيق وابن خلدون، أن العرب لشدة اعجابهم بها كتبوها في ثياب بيض رقيق من كتان (القباطي) بماء الذهب وعلقوها على الكعبة فسميت بالمذهبات.

أما النحاس المصري وهو معاصر لابن عبد ربه فقد أنكر تعليقها على البيت الحرام وزعم أن حماد الراوية هو الذي جمع السبع الطوال وقال للناس هذه هي المشهورات.

وقيل بل كان الملك إذا استجيدت قصيدة الشاعر يقول: علقوا لنا هذه لتكون في خزانته.

ويرجح اليوم أنها إنما سميت المعلقات لتشبيهها بالسموط التي تعلق بالأعناق، وقد دعيت بالمذهبات لأنها تستحق أن تكتب بماء الذهب لنفاستها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير