تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[عاشق اللغة العربية]ــــــــ[26 - 08 - 2006, 05:34 م]ـ

سادسا: الحكم والمواعظ:

الحكم في الجاهلية كانت وليدة حوادث الدهر وتجاربه، لا وليدة العلم الصحيح والتفكير العميق، فجاءت في كثرتها من الحقائق البديهية والفكر المشترك، موافقة لحياة القبيلة في الصحراء، وما تواضعت عليه من الآداب الاجتماعية والخلقية، ترشد البدوي إلى منافعه، وتبعده عن مضاره.

ونظروا في حياتهم الاقتصادية، فتكلموا عن الكسب وجمع المال، قال المتلمس:

لحفظ المال خير من بغاه **** وسير في البلاد بغير زاد

وإصلاح القليل يزيد فيه **** ولا يبقى الكثير مع الفساد

وقال عروة بن الورد بين الغني والفقير فرأى الناس يزدرون الفقير ولا يجعلون له وزنا في مجتمعهم ولو كان عاقلا فاضلا، ورآهم يعظمون الغني مبالغين في إطراء فضائله، فقال يخاطب إمرأته:

دعيني للغنى أسعى فإني **** رأيت الناس شرهم الفقير

وأبعدهم وأهونهم عليهم **** وإن أمسى حسب وخير

ويقصيه الندي وتزدريه **** حليلته وينهره الصغير

ويلقى ذا الغنى وله جلال **** يكاد فؤاد صاحبه يطير

قليل ذنبه والذنب جم **** ولكن للغنى رب غفور

ولم تسمح لهم بيئتهم الاجتماعية بأن يخرجوا في آرائهم إلى نظم إصلاحية عامة.

وتستوقفنا ظاهرة غريبة في آرائهم وهي إسرافهم في الكلام على الموت والدهر الذي يبلي الحياة، ويفرق بين الأهل والأصحاب، فأكثر شعرهم يشتمل على شكوى الزمان، ويتراءى فيه شبح الموت، يبعث القلق في صدر الشاعر، وقل من كان مصير النفس يلتبس عليه كعدي بن زيد لنصرانيته حيث يقول:

أعاذل من تكتب له النار يلقها **** كفاحا ومن يكتب له الفوز يسعد

فلم يسع إلى طلب الملذات كغيره بل نبه الغافل ليصلح أمره فقال:

أيها النائم المغفل أبصر **** أن تكون المبادر المبدورا

وتأتي حكمتهم مقترنة بالمدائح كما نجدها عند زهير والنابغة والحطيئة، إذ يقول في مدح بني شماس:

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه **** لا يذهب العرف بين الله والناس

أو مقترنة بالمفاخر كما تظهر في شعر حاتم الطائي حيث يقول:

وأغفر عوراء الكريم ادخاره **** وأعرض عن ذات اللئيم تكرما

أو مقترنة بالمراثي كما نتبينها في رثاء لبيد لأخيه أربد، وفي رثاء أو ذؤيب لأولاده حيث يقول:

وإذا المنية أنشبت أظفارها **** ألفيت كل تميمة لا تنفع

أو مقترنة بالأهاجي مثل قول زهير في بني حصن:

وان الحق مقطعه ثلاث **** يمين أو نفار أو جلاء

أو بالشكوى والعتاب والدفاع عن النفس كفلسفة طرفة في الحياة والموت واتباع الملذات.

وقد تأتي مواعظ مجردة يقصد بها النصح والإرشاد كما في معلقة زهير، وآراء عدي بن زيد في مجمهرته.

سابعا: الطبيعة:

لا يستغرب من الشاعر الجاهلي أن ينظر إلى الطبيعة ويمعن في وصفها، وهو يعايشها ويواصلها، ويتكل عليها في رزقه، مع ماهي عليه من القساوة وقلة العطاء.

فقد وجد العرب في بادية عطشى قليلة الماء، فآمالهم بالخصب معقودة على ماء السماء، وربما حطمتهم السنة وعضتهم الفاقة لاحتباس المطر.

وفصل الأمطار قصير في الصحراء، ولكنه مستطيل على احياء الأرض لما بها من قوة كامنة، فلا يمضي على سقوط الغيث عشر ليال حتى ينبت الربيع كما يقول ابن دريد: ((فما لبثنا إلا عشرا حتى رأيتها روضة تندى))، ولطالما نشبت الحروب بينهم لتزاحمهم على المياه والمراعي.

وفي الشعر الجاهلي أوصاف كثيرة للربيع تنظر إلى حياتهم المادية بدافع الرخاء والشدة، لا إلى حياتهم الروحانية بعامل المتعة والشعور الباطن.

فالربيع عندهم نجعة للإبل ومورد للرزق، فحياة البدوي من إبله وحياة الإبل من الكلأ، وقديما قال قائلهم: ((إذا أخصبت الدهناء ربعت العرب جمعاء)) وإذا ربعوا: ((غيبت الشفار وأطفئت النار))، لأنهم يشربون اللبن ولا ينحرون النياق فعلهم أيام القحط.

وحاجة البادية إلى الماء، جعلت لفصل الأمطار شأنا خطيرا في الشعر الجاهلي، لأن البدوي يشعر بالجوع في أواخر الصيف، ويحزنه أن يرى العشب يابسا والغدران والآبار جافة، حتى إذا اغبر الأفق وسطع البرق، ابتهج ومضى يتأمل هذه الظواهر الجديدة مترقبا نزول المطر، كما قعد امرؤ القيس بين ضارج والعذيب ينظر فرحا إلى البرق والسيل الجارف:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير