وروي عن عمرو بن معد يكرب وكان معاصرا له أنه قال: ((لو سرت بظعينة وحدي على مياه معد كلها، ما خفت أن أغلب عليها، ما لم يلقني حراها أو عبداها، فأما الحران فعامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث، وأما العبدان فأسود بني عبس، والسليك بن السلكة))
وقال الهيثم بن عدي قيل لعنترة: ((أنت أشجع العرب وأشدها)) قال: ((لا))، قيل: ((فبماذا شاع لك هذا بين الناس))، قال: ((كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزما، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزما، ولا أدخل موضعا إلا أرى لي منه مخرجا، وكنت أعتمد الضعيف الجبان، فأضربه الضربة الهائلة، يطير لها قلب الشجاع، فأثني عليه فأقتله)).
وقائعه:
لعنترة كثير من الوقائع المشهورة ولكن أضيف إليه ما ليس له حتى اشتبه الصحيح بالموضوع، وقد حضر حرب داحس والغبراء فأحسن فيها البلاء، وحمدت مشاهده، وفيها قتل ضمضما المري أبا حصين وهرم.
حبه لعبلة:
وأحب عبلة ابنة عمه مالك بن قراد، فهاجت شاعريته واتسع خياله، فنظم القصائد الطوال، وازداد طموحا إلى المعالي، فجد في طلبها، ليمحو ببيض فعاله سواد لونه، وأنى له أن يطمع فيها وهو عبد لم يعترف به أبوه وأنكره أبناء عمه، فغامر لأجلها ولاقى أشد الأهوال حتى ألحقه أبوه بنسبه، لكنه لم يظفر بها.
موته:
اختلف بموته، فقال ابن حبيب وابن الكلبي: ((أغار عنترة على بني نبهان من طيء، فأطرد لهم طريدة وهو شيخ كبير، فجعل يرتجز وهو يطردها ويقول:
حظ بني نبهان منها الأخبث **** كأنما آثارها بالحثحث
آثار ظلمان بقاع محدث
وكان وزر بن جابر النبهاني في فتوه، فرماه وقال: ((خذها وأنا ابن سلمى))
لبيد
حياته:
هو أبو عقيل لبيد بن ربيعة العامري، وكان أبوه يعرف بربيعة المقترين لجوده وسخائه، فنشأ لبيد كريما مثله.
وبدت دلائل النجابة على الشاعر منذ حداثة سنه، ومما يروى عنه وهو غلام، أنه وفد على رهط من بني عامر على النعمان ابن المنذر، فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسي، وكان الربيع ينادم النعمان، فطعن في العامريين وذكر معايبهم لعداء بينهم وبين بني عبس، فجافى النعمان وفد بني عامر وأهمل أمرهم، فخرجوا عنده غضابا، فعرض عليهم لبيد أن يهجو الربيع في حضرة النعمان، فاستخفوا به لصغر سنه، فألح عليهم حتى رضوا، فلما أصبحوا دخلوا به على النعمان والربيع يؤاكله، فقام لبيد يقول:
أكل يوم هامتي مقزعه **** يا رب هيجا هي خير من دعه
يا واهب الخير الكثير من سعه **** إليك جاوزنا بلادا مسبعه
نحن بنو أم البنين الأربعة **** سيوف حق وجفان مترعه
فكره النعمان منادمة الربيع وطرده، ثم قضى حوائج بني عامر.
وعمر لبيد حتى أدرك الإسلام فانتحله دينا، ثم انتقل من البادية إلى الكوفة وأقام فيها حتى مات، وكان موته في أول خلافة معاوية بعد أن جاوز المائة وسئم الحياة كما سئم منها زهير وفي ذلك يقول:
ولقد سئمت من الحياة وطولها **** وسؤال هذا الناس كيف لبيد؟
وزعم الرواة أن لبيدا لم يقل شعرا في الإسلام إلا بيتا واحدا وهو:
الحمدلله إذ لم يأتني أجلي **** حتى كساني من الإسلام سربالا
وقيل بل هو:
ما عاتب الحر الكريم كنفسه **** والمرء يصلحه الجليس الصالح
أما نحن فنرى أن لبيدا نظم الشعر في الإسلام كما نظم في الجاهلية، ومن تدبر أشعاره بروية استروح في بعضها نفحة قرآنية لا تخفى، مثال ذلك قوله:
إن تقوى ربنا خير نفل **** وبإذن الله ريثي والعجل
أحمد الله ولا ند له **** بيديه الخير ما شاء فعل
من هداه سبل الخير اهتدى **** ناعم البال ومن شاء أضل
فمثل هذا الشعر، إذا صح لا يقوله إلا شاعر عرف الإسلام، وتأثر بالقرآن.
آثاره:
أشعار وصلت إلينا منها قدر يسير فجمعت في ديوان وطبعت بفينا ثم ترجمت إلى الألمانية، وفي جملة هذه الأشعار مطولته وهي المعلقة الرابعة.
منزلته:
قال أبو زيد القرشي: ((لبيد أفضلهم في الجاهلية والإسلام، وأقلهم لغوا في شعره))، وجعله ابن سلام في الطبقة الثالثة وقال فيه: ((وكان عذب المنطق رقيق حواشي الكلام))، وروي أن النابغة نظر إليه وهو صبي مع أعمامه على باب النعمان بن المنذر فقال له: ((يا غلام، إن عينيك لعينا شاعر، أفتقرض الشعر؟)) قال: ((نعم))، قال: ((فأنشدني))، فأنشده:
ألم تلمم على الدمن الخوالي **** لسلمى بالمذائب فالقفال
فقال له النابغة: ((أنت أشعر بني عامر، زدني)) فأنشده:
طلل لخولة بالرسيس قديم **** بمعاقل فالأنعمين وشوم
فقال له: ((أنت أشعر بني هوازن، زدني)) فأنشده معلقته، فقال له: ((اذهب فأنت أشعر العرب)).
وسواء صحت هذه الرواية أو لم تصح، فمنزلة لبيد في الشعر جليلة، فإنه فاق الشعراء في وصف الديار الخالية، وبتشبيهاته القصصية في وصف سرعة الناقة، وهو يمتاز في رثائه المحلى بالمواعظ، وفي تلك الحكم البليغة التي تدل على ايمان بالله.
¥