ـ[عبدالرحمن السليمان]ــــــــ[03 - 10 - 2006, 12:56 ص]ـ
في كتاب "بستان العقول" لنتانئيل ابن الفيومي
(القرن السادس الهجري)
مرت الديانة اليهودية في ثلاث مراحل هي:
1. المرحلة التوراتية (من حوالي 1000 حتى ظهور المسيحية)؛
2. المرحلة التلمودية (من حوالي 100 حتى 600 ميلادية)؛
3. مرحلة التبلور (من حوالي 800 حتى 1300 ميلادية).
ويجمع أصحاب الاختصاص على أن اليهودية الحالية هي من نتاج مرحلة التبلور، وهي المرحلة الأغنى في تاريخ اليهودية واليهود بإجماع اليهود قبل غيرهم. ولعل أكثر الكتب التي بلورت الديانة اليهودية كما نعرفها اليوم كتاب ???? ???? (= مِشنِه تورا) "التوراة الثانية" لموسى بن ميمون، طبيب السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، الذي يقول اليهود فيه "مِن موسى لموسى، لم يُعرف أحدٌ مثل موسى"! أي: منذ عهد موسى النبي (على نبينا وعليه السلام) حتى عهد موسى بن ميمون، لم يعرف أحد مثل موسى بن ميمون" لأهميته عند اليهود!
ومن الكتب المهمة التي شاركت في بلورة الديانة اليهودية كتب العلماء القرائين ومنهم المتكلم نتانئيل بن الفيومي الذي عاش في اليمن في القرن السادس الهجري. ويبدو من اسمه أنه من الفيوم في مصر. ونتانئيل بن الفيومي هو شخص آخر غير المتكلم اليهودي الرباني المشهور سعاديا الفيومي. وكتاب نتانئيل بن الفيومي طريف وممتع، ولولا الآيات التوراتية التي يوردها هنا وهناك في كتابه لما شككتَ البتة في أنه كاتب إسلامي من متكلمي المعتزلة! ومن الملفت للنظر أيضاً أن الفيومي يعبر عن مواقفه في ديباجة كتابه وهي عادة درج أصحاب الاعتزال وغيرهم من الكتاب الإسلاميين عليها حيث كانوا في ديباجاتهم يلخصون فكرهم و يثبتون مواقفهم في مسائلهم الأساسية ويجادلون خصومهم في المسائل الخلافية دون ذكر أسمائهم. وقراءة متمعنة لهذا النص الذي اقتبسته من مقدمة كتاب نتانئيل بن الفيومي تبين ذلك:
"بسم الله الرحمن الرحيم أبتدي، وبكلماته أهتدي، وبحدوده أقتدي، اللهم عونك ورضاك. تبارك الله إله إسرائيل الأول قبل كل أول، مُعلّ علة العِلَل، القديم الذي لا يزال، الواحد لا بالعدد، الموحد الفرد الصمد، الذي لا يلد ولا يولد، والواحد بالحقيقة، الفرد بالأزلية، باعث الأرواح، ومنشئ الأشباح، مكون الأجرام ومصور الأجسام، ذو المِنَن الجِسام والأجلال والأعظام، والمنزه من التحديد، الفاعل لما يريد، له الحكم والتقدير والقضاء والتدبير، والحمد والثناء، والجود والعطاء والمنن والبقاء، والعظمة والكبرياء، والإبداع والملكوت، والوحدة والجبروت. وهو الحي الذي لا يموت، الأزلي بأزليته، الدائم بديموميته، والباري بربوبيته، القادر على ما شاء، الذي ليس كمثله شيء. أنشأ الشيء من لا شيء، ليس له حد ولا وصف، ولا حيث ولا كيف، لا العرش له من قبل المكان، ولا الكرسي من قبل الجلوس. من لا يوصف بقيام ولا بقعود، ولا بحركة ولا بجمود، ولا بوالد ولا بمولود، ولا موصوف ولا محدود. مَن ذل له كل معبود، وخضعت جميع الخلائق بالسجود، ولا له دخول ولا خروج، ولا نزول ولا عروج، تجاوز حد العقول والأفهام، والخواطر والأوهام، غير منعوت الذات، ولا مدرك بالصفات، تعالى سبحانه عن ما يقول العالمَين علواً كبيراً".
وواضح من مقدمة الفيومي أن كلامه موجه إلى جمهور اليهود الربانيين وفقهاء التلمود الذين يثبتون التشبيه الذي ينفيه القراؤون نفياً شديداً كما فعل الكاتب القرائي القرقساني في كتابه المهم "الأنوار والمراقب". ويتبع القراؤون وبعض الربانيين مثل ابن جناح وابن ميمون وسعاديا الفيومي وغيرهم مذهب المعتزلة في التنزيه في كتاباتهم، إلا أن القرائين هم أشدهم حرصاً على تأويل الآيات التوراتية التي تمعن في التشبيه مجازاً بطريقة تذكرني بقول أحد المعتزلة "ولا يكرسِئُ علمَ الله مخلوق".
المصدر:
The Bustan al-Ukul By Nathanael Ibn Al-Fayyumi. Edited and translated from an unique manuscript in the Library of Columbia University by David Levine. New York, 1966. P. 1-2.
ـ[عبدالرحمن السليمان]ــــــــ[03 - 10 - 2006, 12:59 ص]ـ
من كتاب التنقيح لابن جناح القرطبي
¥