تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وحاول أ، يتحدث إليه ويسأله عن مرضه متنيا على نفسه في جلسته لا يرفع رأسه ولا يبدو عليه أن يسمع ما يقال. وتهته أبوه وعمه وهم يعتذرون عن صمته وكيف أنه دائم الحدوث، بل أحيانا تمضي عليه أيام كثيرة دون أن ينطق فيها بحرف. ولم يكن المرض في عقله أو نفسه وإنما كان في مثانته. فهم منهم أنها لا بد بلهارسيا أدت إلى سرطان في المثانة، وأنهم لفوا وتعبوا على جميع (حكما) المركز ومستوصفاته ومستشفياته وحلاقي صحته والعرب الذين يكوون بالنار و (يخرمون) بالمسلة حتى قالوا لهم في مشتئفى المحافظة في النهاية بالأشعة في مصر، وأدحنا جينالك يا بيه ربنا يخلي لك أولادك ويمتعك بالصحة.

ومن غير دعاء. كان قد قرر أن يتكفل بالأمر إن الدين الذي في عنقه للكتلة البشرية المنكفئة على نفسها أمامه ملفوفة بالملابس المهرأة كبير ولقد حان أوان رده وإيفائه.

كانت المشكلة أن يتخلص أولا من " الجماعة " التي ترافقه ويستصحبه إلى بيته ليقضي فيه الليلة وفي الصباح واعمادا على صديقه أستاذ الأشعة يدخله المستشفى. فقد كان عليه أن يدبر أمر ذهابه إلى البيت بطريقة لا تجرح ذكراه في نفسه من ناحية ولا يظن معها من ناحية أخرى بواب أو ساع أنه أخ له أو قريب. وكان عليه أن يتغلب على معارضة (عفت) زوجته التي لا بد سترفض إيواء شخص مثله ولو ليلة واحدة ولو لكي ينام في المطبخ أو في فراش السفرجي.

ولقد تم كل شيء كما قدر له الحديدي ... إلا معارضة الزوجة التي بقيت حتى بعد رضائها بوجوده في البيت وأمرها للسفرجي أن يتكفل به وبحراسته وإطعامه. وهكذا لكي يقلل به وبحراسته وإطعامه. وهكذا لكي يقلل من وقت وجودها بالشقة اقترح أن يذهبا إلى المسرح، وحين عادا في منتصف الليل كان الهدوء المعتاد يهيم على البيت وكل شيء فيه هادئ ونور المطبخ مطفأ، وبعد نصف ساعة كانت عفت تستمتع بمراحل نومها الأولى وكان الحديدي مغمض العينين لا تزال بينه وبين النوم مشكلة مجلس الإدارة الذي أجلت حكاية فهمي من اجتماعه ومن المشهد العاصف الذي كان قد أعده لكي يسحب فيه البساط من تحت أقدام المدير العام ويجبره .. إما الظهور بمظهر الغبي الأحمق الجاهل إما، حفظا لماء الوجه الاستقالة. حين جاءت الصرخة الأولى.

وأعقبتها الثانية والثالثة.

وتكهرب جو البيت تماما. أيكون قد تورط في خطأ أكبر دون أن يدري، وظن أنه يأوي قطعة حديد خردة عزيزة لتأخذ طريقها في الصباح إلى الورشة فإذا بها قنبلة بدأت تنفجر وتوشك أن تهدم البيت!

وعلى عجل أسرع إلى المطبخ حافي القدمين. كان مظلما لا يزال ولكن رائحة خائفة حامضة قابضة نفاذة واجهته لدى فتح الباب. مد يده يضيء النور ولكن الشلل أصباها قبل أن تصل إلى المفتاح فقد انطلقت من المطبخ الضيق بآهة صارخة ثاقبة كعشرات من الأبر الحادة المسمومة انطلقت في كل اتجاه. لا يمكن أن يكون هذا صراخ ألم أو للتعبير عن ألم، ولا مجرد أصوات. أنه شيء مادي ينخر في الجسد ويصيب السامع بالحمى، فوق احتمال البشر.

أضاء النور وهو فعلا خائف. ولم يلمح فهمي في الحال فقد وجد الفراش الذي منحوه إياه ممزقا مكوما والمطبخ فقد وجد الفراش الذي منحوه إياه ممزقا مكوما، والمطبخ بكل ما فيه مبعثرا وملوقا والمقشات متنزعا قشها وريشها ومنثورا، وعددا لا يحصى من بقع الدماء الصفراء تصبغ الأرض وباب الثلاجة والمناضد البيضاء والرائحة النتنة الخائفة لا تزال هناك لكأنه كان ميدانا لمعركة حامية الوطيس دارت بين إنسان أعزل وخم جبار غير منظور، لكأن الصرخات كانت صرخات رعب الإنسان من عدو خفي يسحقه بالضربات وهو عاجز محاصر متألم مهزوم لا حول له.

ونظر ثانية ألقاها على المطبخ بعيني الزوجة هذه المرة أدرك بعدها فاجعة لم يكن يتوقعها أبدا قد حلت. وبحث عن فهمي فوجده قد حشر لنفسه بين منضدتين من مناضد المطبخ عاريا تماما ليس عليه إلا فانلة مهراة، رأسه يتحرك في كل اتجاه عيونه الميتة المطفأة تقدح بشرر أبيض دائبة الحركة في محجرها تبحث عن منقذ ومخلص، وبكيانه كله كان يتجه إلى أعلى في بأس كامل كمن يدرك تماما أن لا تجاه. أنه ألم سرطان المثانية المروع حين يزحف مع الليل حين تبدأ قطرات البول تتجمع بحمضها عبر الورم الخبيث الذي نفذ إلى كل المسالك، ومرور القطرة على الورم المتهتك المجروح، يسحق بالألم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير