تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أنا قضيت حياتي أجري وألهث لكي أصل إلى القمة كما تسمى ... كان على أن أظل أصعد ولهذا كنت أصادق أو تضمني المجموعة لا لكي أستمتع بصداقتي ورفاقيتي لها وإنما على أساس سرعتها وعلى اعتبار أنها أسرع من المجموعة التي هجرتها وأظل سائرا معهم ما داموا يسيرون بنفس السرعة التي أريدها حتى إذا أحسست أنني بحاجة إلى سرعة أكبر هجرتهم إلى مجموعة أخرى. أو سرت بمفردي كي لا يعوقني معوق. وما توقفت مرة كي أواسي مختلفا أو أخذ بيد أعرج معتبرا أن ليس الذنب ذنبي أنه تخلف أو أنه خلق أعرج ولقد ظللت أسرع وأسرع لكي أبدأ الحياة حين أصل ولكن لم يكن للوصول نهاية بعد التخرج قلت العمل. بعد العمل الدكتوراه بعدها أستاذية وحين أحسست أنها تستلزم الانتظار هجرتها إلى الشركات قلت .. بعد الزواج وحين تزوجت قلت .. نبدأ الحياة مع الأولاد وحين خلفت قلت الأوفق حين يكبرون وها أنذا لا أزال أجري مسرعا وقد أصب هدفي ليس الوصول إلى أي شيء وإنما الإسراع في حد ذاته تماما مثل الذي يبدأ حياته بتوفير النفود كي يحسن مركزه المالى ويبدأ حييا بعد الألف الأولى وحين يصل إلى الأولى يصبح هدفه الثانية فالثالثة إلى أن ينسى الهدف تماما ويتحول إلى بخيل مقتر هدفه جمع المال ليس إلا.

ياني ياني ياني ياني يا بوي.

أحس بتوجع فهمي يريحه راحة بدأت تصبح عظمى وكأن فهمي يتوجع لكيهما أو أكثر من هذا كأنه هو الذي أتيح له أخيرا أن يتوجع كما يريد وبكل قدرة استطاعته إنه الألم المتراكم عبر السنين ألم الحزم الدفين والاكتئاب إن الإنسان جهز بتركيبه وأحساسيسه لحياة خاصة تسمى الحياة الجديرة بالإنسان وهو لا يستطيع أن يخرج عليها ويحياه حياة من صنعة هو ومن ابتكاره إلا وهو يتألم وآلامه تتضاعف ولدق قسما العرم كله على طبيعته وكتم نداءات الأعماق المطالبة بمتع الحياة الصغيرة الكثيرة العادية التي تعطيها طعم الحياة قسا عليها ليجبرها على أن تحيا بمفردها.

أبو ... أموا ... أبو ... أموا ... واه ...

بالضبط يا فهمي الوحدة للوصول. الوحدة للسرعة الآلم البشع لفراق الناس والبعد عنهم ... الوحدة القاتلة التي تربي الخوف من الآخرين وتدمر الثقة بالنفس، الوحدة لكي تكون حرا أكثر ومنطلقا أكثر وحيا أكثر التقوقع فإذا بها تؤدي إلى التوقع والرعب من الآخرين وتحديد الحركة وإحاطتها بعشرات القيود. همه يحمله وحده ومرضه ينفرد به. وضيقه هو المسؤول الوحيد عنه. الألم. أضعاف أضعاف الألم الذي يسحق فهيم ويدمره وهو مرغم على كتمانه يخاف خوف الموت أن يطلع عليه أحد فإن تألم الرجل أو حاجته للفضفضة إلى الآخرين ضعف وعورة.

دي دي دي دي دي دي .....

ياللمضحك ... إنه يحس أنه ربما لأول مرة يذكرها في حياته ... سعيد. سعيد إلى درجة حقيقة متأثر لأوجاع فهمي ولكن فرحته هو لهذه اللحظة التي يحياها أجل ربما أول لحظة يحياها لا توصف. ومن الصعب أن يدرك الأسباب ولكن لابد أن أهمها أنه أخيرا استطاع بوسيلة معقدة مركبة تعتمد على أعماق تخاطب أعماقا خلال لغة غير مفهومة أخيرا استطاع أن يتصل. وأن يشارك وأن يزاول عملا من أعمال الأحياء يزاوله بمتعة وسعادة سعادة تدخله في حالة وجدانية لها صفاء لحظة الكشف لدى المتصوفين وعمق لحظة الخلق لدى العباقرة لحظة ها هو يحس فيها أنه قادر على الاتصال بكل إنسان وبكل شيء بل قادرا على الاتصال بنفسه وبالتحديق مليا في أعماقه دون أن يرده الرعب المقيم مما قد يراه.

وكلما اندمج في حالته الوجدانية تلك أحس بنفسه تتفتح أكثر وتعمق وتتقوي صلته بفهمي حتى لكأنه يقرأ ما يجأر به في كتاب مفتوح وأحس أيضا أنه ينجذب إلى مكانه ليصبح أقرب انجذابا مريحا ممتعا إلى درجة لم يدرك معها أنه كان قد غادر الفراش ومضى يعبر الصالة في عدد كبير من محطات الممشى الضيقة. كل خطوة بمحطة سمع كالصوت البعيد يأتي للنائم نافذة جار تفتح ويعقبها صوت زعيق ولابد.

إنه كلمات سباب سمعها وكأنها لا تمت إليه ولا تهمه إنه يرى حياته الآن بكل كبيرة وصغيرة حدثت فيها ولها مجسدة مجموعة أمامه بحيث بنظرة واحدة يستطيع أن يرى نفسه تقريبا من يوم ميلاده إلى يومه هذا ....

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير