من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تختلف به الآراء ولا تلتبس به الألسن، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم".
والشاهد في هذا الحديث قوله: قلت: يا رسول الله، ستكون فتن فما المخرج منها؟ قال:كتاب الله. ثم قال: " وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تختلف به الآراء، ولا تلتبس به الألسن.".
كما بين لنا القرآن الكريم لأن سبب اختلاف الناس منشؤه البغي بينهم مع وجود البينات والعلم والكتاب:] كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين ءامنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [- معنى الآية: " كان الناس أمة واحدة" أي على شريعة من الحق فاختلفوا، " فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين"، فكان أول نبي بعث نوحا،" وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم" أي من بعد ما قامت عليهم الحجج، وما حملهم على ذلك إلا البغي من بعضهم على بعض.
كما ينهانا أن نتفرق ونختلف كما اختلف أهل الكتاب إذ قال:] ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم [وخاطب نبيه في شأن أهل الكتاب] إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء [وبين سبب العداوة والبغضاء بينهم بقوله:] ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة [.
فتحصل من ذلك كله أن منشأ الاختلاف لا يرجع إلى أصل الكتب المنزلة، وإنما يرجع إلى سلوك الناس تجاهها نتيجة بغيهم بينهم أو نسيانهم حظا مما ذكروا به.
وقد بين لنا القرآن الكريم أن كونه من عند الله يقتضي عدم وجود الاختلاف فيه،] ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [. فدل ذلك على أن الاختلاف فيه لا يرجع إليه وإنما يرجع إلى ما عند الناس. ومن ثم لا بد أن تحكم آراء الناس بالكتاب، ولا يحكم الكتاب بآراء الناس.
- منهج صارم في التفسير:
وللوصول إلى فهم موحد لكتاب الله لا بد من التزام منهج صارم في التفسير يقوم على أمرين:
الأمر الأول: مراعاة نظام الكلام الذي يشمل تسلسل المعاني وترابطها الوثيق، والتناسب بين السابق واللاحق في نطاق الآيات والسور، فتظهر بذلك وحدة القرآن الموضوعية، وتتضح قاعدته البيانية، ويبدو القرآن بذلك كلا موحدا، لا تفاوت في مبانيه، ولا اختلاف في معانيه.
الأمر الثاني: اعتبار تفسير القرآن بالقرآن أصلا في بيان معاني الكلمات القرآنية، واعتبار أسلوب القرآن بالقرآن أصلا في بيان معاني الكلمات القرآنية، واعتبار أسلوب القرآن قاعدة حاكمة في اختيار المعاني وترجيح بعضها على بعض، وذلك لأن تفسير القرآن بالقرآن تفسير صاحب الكلام لكلامه، ولا يمكن أن يقدم عليه أي تفسير مهما كان. ومثل هذا المنهج الصارم لا يمكن الوصول فيه إلى نتائج قاطعة حاسمة إلا إذا أخذ مأخذ الجد في التطبيق، وهو يتطلب تعمقا في الفهم، وتدقيقا في النظر، وصبرا على التأمل الطويل، والتدبر الواعي. ولكن الثمرة لذلك كله فهم صحيح لكتاب الله، بعيد عن التكلف والتعسف، وتصحيح للأخطاء المتوارثة، ونظرات جديدة تدفع بالمسلمين خطوات واسعة إلى الأمام، وتكون منطلقا لنهضة إسلامية حقيقية، حيث تؤدي إلى توحيد الفهم الذي يجمع المسلمين على صعيد واحد وكلمة سواء، وبذلك يكون القرآن، كما أراده الله أن يكون حاكما بين الناس فيما اختلفوا فيه، فلا يقدمون بين يدي آراءهم، ولا يحملونه مالا يحتمل، وإنما يستلهمون مراده، وينتهون إلى حيث ينتهي بهم.
وهكذا الكلام الوجيز في المنهج يحتاج إلى شرح وتوضيح لا يتسع له المجال هنا،
وسنكتفي في هذه العجالة بضرب بعض الأمثلة الدالة عليه:
Œ قوله تعالى:] فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون [:
¥