? ذكر الخطابي في رسالته عن إعجاز القرآن عن مالك بن دينار قال: جمعنا الحسن لعرض المصاحف أنا وأبا العالية الرياحي ونصر بن عاصم الليثي وعاصما الجحدري فقال رجل: يا أبا العالية قوله تعالى في كتابه:] فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون [.
?ما هذا السهو؟ قال: الذي لا يدري عن كم ينصرف، عن شفع أو عن وتر.
فقال الحسن: مه يا أيا العالية، ليس هذا بل الذين سهوا عن ميقاتهم حتى تفوتهم.
قال الحسن: ألا ترى قوله عز وجل:] عن صلاتهم [.
ويعلق على ذلك الخطابي بقوله: " وإنما أتي أبو العالية في هذا حيث لم يفرق بين حرف "عن" و " في" فتنبه له الحسن فقال: ألا ترى قوله " عن صلاتهم" يريد أن السهو الذي هو الغلط في العدد، إنما هو يعرض في الصلاة بعد ملابستها، فلو كان هذا المراد لقيل: في صلاتهم ساهون. فلما قال " عن صلاتهم" دل على أن المراد به الذهاب عن الوقت !!!.
وهذا الكلام الذي يقوله الحسن إنما قاله لأنه لم يتنبه لسياق الآية " فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون: ذلك أن التوعد في الآية إنما هو " للمصلين." أي المتلبسين بالصلاة، وهو قد سهوا عن حقيقتها وخشوعها، وبالتالي فلا ترتب على مثل هذه الصلاة آثارها العلمية السلوكية، بدلالة قوله: " الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون" فهذه الصلاة قصد بها المراءاة، ومن ثم فليس فيها معنى الإخلاص لله، والخشوع بين يديه، ومن ثم فصاحبها يمنع الماعون، ولا يسعى إلى فعل الخير، وهذا المنكر من المراءاة ومنع الماعون لم تحل مثل هذه الصلاة دون وقوعه، على حين الصلاة الحقيقية تمنع فعل ذلك:"وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر".
فإذا أضفنا إلى ذلك أن أول السورة: " أرأيت الذي يكذب بالدين. فذلك الذي يدع اليتيم. ولا يخص على طعام المسكين." عرفنا أن هذه الأوصاف إنما تنطبق على المنافقين.
ثم إن هذه الصلاة التي لا تؤثر في سلوك صاحبها، وجودها وعدمها سواء، ومن ثم وصف الله الذين لا يصلون بمثل ما وصف به الذين يصلون هذه الصلاة حينما قال عن أهل النار:
] ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين. وكنا نخوض مع الخائضين، وكنا نكذب بيوم الدين [وإذا ما أردنا تأكيدا أكثر فإننا نحتكم إلى أسلوب القرآن وبيان القرآن بالقرآن فماذا نجد:
قال الله تعالى:] إن الإنسان خلق هلوعا. إذا مسه الشر جزوعا. وإذا مسه الخير منوعا. إلا المصلين. الذين هم على صلاتهم دائمون [.] والذين هم على صلاتهم يحافظون [ويقول الله تعالى:] قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون [.
] والذين هم على صلاتهم يحافظون [ويقول أيضا: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى. وقوموا لله قانتين [.
وبالنظر في الآيات السابقة وسياقاتها نرى ما يلي: - تكرار الوصف بالصلاة في سياق سورة المعارج وفي سياق سورة المؤمنون-.
وصف المصلون بسورة المعارج أنهم:] على صلاتهم دائمون [كما وصفوا بسورة المؤمنون بأنهم:] في صلاتهم خاشعون [.
أما الوصف المكرر في السورتين فقد جاء بصيغة واحدة وهو] والذين هم على صلاتهم يحافظون [.
فلو وضعنا هذه الآيات على صورة معادلة رياضية لرأينا ما يلي:
الذين هم على صلاتهم دائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون
الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم على صلاتهم يحافظون
ولما كان الطرف الثاني للآيتين واحدا " يحافظون" كان لا بد للطرف الأول: "دائمون – خاشعون " أن يكون متساويا، وهذا يعني أن المراد بـ " دائمون" أي دائموا الخشوع في صلاتهم.
أما قوله " يحافظون " فالمراد به المحافظة على وقت الصلاة وعدم تضييعه.
وهكذا نرى أن القرآن إذا أراد التعبير عن " وقت الصلاة " جاء بلفظ المحافظة.
وإذا أراد التعبير عن حقيقة الصلاة جاء بلفظ " الخشوع" أو " الدوام" أو ما شابه.
وهذا ينطبق على قوله تعالى:] حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [حيث يراد بها الوقت. أما الخشوع فقد عبر عنه بـ "القنوت" كما هو تتمة الآية:] وقوموا لله قانتين [.
?وصف الإنسان في سورة المعارج بقوله:]. وإذا مسه الخير منوعا. إلا المصلين. الذين هم على صلاتهم دائمون. والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم. والذين يصدقون بيوم الدين [.
¥