ذكر القرطبي في تفسيره لهذه الآية:"قرأ عمر بن الخطاب وأبي بن كعب غير المغضوب عليهم وغير الضالين وروي عنهما في الراء النصب والخفض في الحرفين، فالخفض على البدل من الذين أو من الهاء والميم في عليه، أو صفة للذين والذين معرفة ولا توصف المعارف بالنكرات ولا النكرات بالمعارف، إلا أن الذين ليس بمقصود قصدهم فهو عام، فالكلام بمنزلة قولك: إني لأمر بمثلك فأكرمه، أو لأن غير تعرفت لكونها بين شيئين لا وسط بينهما، كما تقول: الحي غير الميت، والساكن غير المتحرك، والقائم غير القاعد، قولان: الأول للفارسي، والثاني للزمخشري. والنصب في الراء على وجهين: على الحال من الذين، أو من الهاء والميم في عليهم، كأنك قلت: أنعمت عليهم لا مغضوباً عليهم. أو على الاستثناء، كأنك قلت: إلا المغضوب عليهم. ويجوز النصب بأعني، وحكي عن الخلي" (13).
كما اهتم الطبري بالقواعد النحوية من خلال عرضه لمباحث النحو، فكثيرا ما نجده يعرف بها ويصوغها ويثبت أحكامها بالشواهد ومختلفة الآراء من ذلك:
- يرى أن (اليوم) إذا أضيف إلى فعل ماض نصبوه. ففي تأويله للآية:) يوم لا تملك نفس ((14). ذكر اختلاف القراء (15) فقال:"قرأته عامة قراء الحجاز والكوفة بنصب (يوم) إذ كانت إضافته غير محضة. وقرأ بعض قراء البصرة بضم (يوم) ورفعه ردا على اليوم الأول، والرفع فيه أفصح في كلام العرب، وذلك أن اليوم مضاف إلى (يفعل). والعرب إذا أضافت اليوم إلى تفعل أو يفعل أو أفعل رفعوه، فقالوا: هذا يوم أفعل كذا، وإذا أضافته إلى فعل ماض نصبوه" (16).
- إذا كان في الكلام مدح أو ذم، فالاسم المدخلة عليه (الباء) في موضع رفع: يقول الطبري في تأويله لقوله تعالى:) وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ((17). أدخلت الباء في قوله: (بربك) وهو في محل رفع، لأن معنى الكلام: وكفاك ربك ... وكذلك تفعل العرب في كل كلام كان بمعنى المدح أو الذم فتدخل في الاسم الباء، والاسم المداخلة عليه (الباء) في موضع رفع لتدل بدخولها على المدح أو الذم كقولهم: أكرم به رجلا، وناهيك به رجلا، وجاء بثوبك ثوبا، وطاب بطعامك طعاما وما أشبه ذلك من الكلام. ولو أسقطت الباء مما دخلت فيه من هذه الأسماء رفعت لأنها في محل رفع، كقول الشاعر (18):
ويخبرني عن غائب المرء هديه كفى الهدي عما غيب المرء مخبرا
فأما إذا لم يكن مدح أو ذم فلا يدخلون في الاسم الباء، ولا يجوز أن يقال: قام بأخيك، وأنت تريد: قام أخوك، إلا أن تريد: قام رجل آخر به، وذلك معنى غير المعنى الأول» (19). فالاسم يكون في موضع رفع سواء دخلت عليه الباءأوحذفت مادام في الكلام المعنى المدح أو الذم.
وهذه القاعدة ذكرها الفراء في تفسيره لقوله عز وجل:) كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ((20) قال: «وكل ما في القرآن من قوله: وكفى بربك، وكفى بنفسك، فلو ألقيت الباء كان الحرف مرفوعا ... ولو لم يكن مدحا أو ذما لم يجز دخولها» (21)
- ويقول الطبري بأن (أما) لابد لها من أن تجاب بالفاء وتسقط الفاء إذ سقط الفعل الذي أضمر. ففي تأويله لقوله تعالى:) وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين ((22) قال: «يقول تعالى ذكره وأما الذين جحدوا وحدانية الله وأبوا إفراده في الدين بالألوهية فيقال لهم: ألم تكن آياتي في الدنيا تتلى عليكم. فإن قال قائل: أو ليست (أما) تجاب (بالفاء) فأين هي، فإن الجواب أن يقال هي الفاء التي في قوله (أفلم)، وإنما وجه الكلام في العربية لو نطق على بيانه وأصله أن يقال: وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم، لأن معنى الكلام: وأما الذين كفروا فيقال لهم: ألم تكن آياتي تتلى عليكم" (23).
- ويرى الطبري بأن الاسم إذا ورد بعد (من) التبعيضية فإنه يحذ ف لدلالتها عليه في قوله:" أن (من) في قوله تعالى:) ومن آيته يريكم البرق خوفا وطعاما ((24)، تدل على المحذوف، وذلك أنها تأتي بمعنى التبعيض، وإذا كانت كذالك كان معلوما أنها تقتضي البعض، فلذلك تحذف العرب معها الاسم لدلالتها عليه" (25). وهذا الذي ذهب إليه الفراء باستشهاده بقول الشاعر (26):
وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغى العيش أكدح
«كأنه أراد فمنهما ساعة أموتها وساعة أعيشها» (27).
¥