بالمناسبة: صدر حديثاً للعلامة الأصولي يعقوب الباحسين، كتاب "الإجماع: حقيقته - أركانه - شروطه - إمكانه - حجيته - بعض أحكامه"، مكتبة الرشد. وهو من أحسن ما كتب في نظري إلى الآن، ففيه تحليل ونقد دقيقين لبعض قضايا الإجماع التي صارت عند البعض من جملة المسلّمات والقطعيات! الحمد لله، كنت قد صارحت بعض طلاب العلم والمشايخ حول حساسية موضوع الإجماع، وضرورة ضبطه قدر الإمكان بما يعيد له قوته الدليلية وحجيته الشرعية على الوجه اللائق، والسبب أنني لا حظت نوعاً من الإسراف في حكاية الإجماعات، أو الجزم بها في مسائل كثيرة، وهذا أمر له خطورته، فإن الإجماع كما يعلم البعض يصل إلى قوة تخصيص النصوص القطعية من القرآن والسنة، عند بعض العلماء، وعند البعض يصل إلى قوة النسخ، بل يصل بالمجتهد إلى الجزم بنص لم يبلغنا استند إليه الإجماع، لأن الإجماع على قول الجمهور لابد له من مستند علمه من علمه وجهله من جهله ... كل هذه القضايا الحساسة وغيرها كثير تتطلب وقفة موضوعية جادة مع الإجماع، والحمد لله أن مرادي قد تحقق إلى حد كبير في عمل البحاثة يعقوب الباحسين، فقد خلص في خاتمة كتابه إلى نتائج كنت أقررها و أطرحها باستمرار، ولكن لم أجد من يتقبل الحديث حول هذا الموضوع، فضلاً عن نقد المناهج المستشرية حول الإجماع، قديماً وحديثاً. شكر الله للشيخ الدكتور يعقوب الباحسين هذا الجهد الطيب، والطرح الجريء، والمعالجة المباشرة الصريحة، لواحد من أهم مصادر الاستدلال الشرعي.
بكل صدق، أنصح بقراءته وتأمله، وهو مثل كتاب المليباري "نظرات جديدة في علوم الحديث"، أول ما خرج لطلبة العلم تقطعوا أمرهم بينهم، وصاروا بين مؤيد ومعارض، ولكن تبينت أهمية موضوعه بعد زمن، ورجع كثير عن تزمتهم العلمي، وانفتحت لهم آفاق جديدة حول علوم المصطلح. من أراد شيئاً شبيهاً، ممن يظن أن قضية الإجماع واضحة، وأن معينها صافٍ لا كدر فيه، وأن إعادة النظر فيها من باب الترف العلمي ... من كان يظن ذلك فليحاول النظر في كتاب الدكتور يعقوب الباحسين، لعل وعسى.
جزاك الله خيراً. فقد عملت بنصيحتك واشتريته وقرأته كاملاً وفيه فوائد كثيرة وترتيب لمسائل الإجماع يشكر المؤلف - حفظه الله- عليها.
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[06 Oct 2008, 12:47 ص]ـ
جزاك الله خيرا على حسن ظنّك. ولا أرى استجابتك إلا جانباً من جوانب تواضعك.
ـ[أم الأشبال]ــــــــ[06 Oct 2008, 05:28 ص]ـ
"وأقوى اعتراض على هذه الآية كما ذُكر:
هو أن الاستدلا بهذه الآية على حجية الإجماع ليس بقاطع.
لأن قوله ويتبع غير سبيل المؤمنين يحتمل وجوها من التخصيص:
لجواز أن يريد سبيلهم في متابعة الرسول.
أو في مناصرته.
أو في الاقتداء به.
أو فيما صاروا به وهو الإيمان به."
أقول: من قال أن الاستدلال بهذه الآية ينحصر على " الإجماع " بل إن المعاني المذكورة لازمة فعلى ماذا يجمع المجمعون أليس على ما فهموه من الكتاب والسنه، وهذا ما دعى إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحثهم عليه إيمانهم، فادعاء احتمال التخصيص تحكم بلا دليل كما يظهر.
والله أعلم وأحكم.
وللفائدة:
ناقش الدكتور عدنان كامل السرميني هذا الدليل في (19) صفحة،في كتابه حجية الإجماع.
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[06 Oct 2008, 05:42 ص]ـ
جزلك الله خيرا. ولكن مما قد يؤخذ على الاستدلال بهذا الدليل أنه للأمة عامة "أمة وسطاً"، وهذا لا يستقيم مع تعريف الإجماع الذي يرتضيه الجمهور لأنه يقصر الإجماع على نخبة قليلة من الأمة وهم العلماء المجتهدين، ولكن ربما يستقيم الاستدلال في المقابل مع من عرّف الإجماع بأنه اتفاق المسلمين أو الأمة على حكم ما.
والدليل الذي أميل إليه وأراه أقرب لإثبات حجية الإجماع من دليل الشافعي هو ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم))، والشاهد منه "أولي الأمر منكم"، ووجه ذلك أن أولي الأمر "نخبة" وهذا يستقيم مع تعريف الجمهور للإجماع بأنه اتفاق المجتهدين من أمة محمد على أمر شرعي، وكذلك لأن الأقوال متضافره من المتقدمين والمتأخرين على أن المراد بأولي الأمر هم العلماء. والوجه الآخر أن في الآية إلزام بالطاعة، وفائدة أخرى أن ترتيب الآية منسجم مع ترتيب الأدلة الشرعية الأصولية: "أطيعوا الله": الكتاب - "أطيعوا الرسول": السنة - "أولوا الأمر منكم": الإجماع. وفائدة أخيرة هي عدم تكرار العامل قبل "أولي الأمر"، وهو فعل الأمر، للإشارة إلى أن قرار أولي الأمر مبني على الدليل من كتاب الله وسنة رسوله وأن أولي الأمر لا يستقلون بالطاعة، فهم تبع للشارع، وهذا يتمشى مع قول من قال من العلماء أن الإجماع استفاد قوته من أصل أو نص شرعي يستند إليه ويعتمد عليه، حتى ولو خفي علينا. والله تعالى أعلم.
أعدت رفع هذا ليتأمل فيه الإخوة، فلا زلت أراه أقرب الأدلة وأصرحها في إثبات حجية الإجماع، لا سيما إذا أردنا أن نتحدث عن آحاد الأدلة، وإلا فمفهوم مجموعها يفيد ذلك بالضرورة.
¥