الدكتور عبد الرحمن الشهري: بالضبط , فتقديم المفعول به يدل على الاختصاص , فهذا يدل على أننا نفردك بالعبادة ونخصك بالعبادة , أي لا نعبد إلا إياك , هذه كان يفهمها العرب دون الحاجة إلى تعليم ودراسة , أما نحن اليوم فنحتاج إلى الدراسة , ولذلك أقول أنه ينبغي على كل مسلم أن يحرص على ما يعينه للوصول إلى هذه المرحلة , وأنصح بكتاب جيد في هذا الباب خاصة كتب البلاغة مثل كتب عبد القاهر الجرجاني فهي رائعة في هذا الباب , وفيها نتائج تعتبر من دقائق أسرار القرآن الكريم وبلاغته , وكلما ظهر لك منها وجه زاد إيمانك , حتى وأنت تستمع للإمام في التراويح يقدم المفعول به هنا و يعبر بالفعل المضارع هناك , فلأنك قرأت وعلى بينه تستفيد وتتأثر بالقرآن , في كتاب رائع كتبه الدكتور السامرائي معاني النحو هذا الكتاب من أروع الكتب التي صنفت في هذا الموضوع في أربع مجلدات ويقول بقيت فيه أكثر من عشر سنوات يبحث فيه عن المقاصد البلاغية من الأساليب النحوية عند العرب , لماذا قدموا هذا ولماذا أخروا ذاك , و لماذا عبروا باللام هنا ولماذا أكدوا بالنون ولم يؤكدوا بكذا , ويقول كثيرا منها لم ينص عليها لا اللغويون ولا البلاغيون من قبل , فأعملت ذهني بالاستنباط فقد يصيب وقد يخطئ , فهذا علم شريف , غفلنا عنه حتى المعنيين بالدراسات القرآنية بصفة عامة , فقد يستغرب المتخصص في الدراسات الإسلامية عندما تسأله أسئلة بلاغية دقيقة فيقول هذا ليس فني, وأنا أرى أنه من صلب عمل المتخصص في التفسير والمعني به , أن يتتبع أسرار البلاغة في هذا الكلام البليغ ,حتى يستطيع أن يوصله للناس.
الدكتور مساعد الطيار: بمناسبة ما ذكرتم , هناك من المتقدمين من كتب في ذلك , الأول الطيبي وله حاشية على الكشاف , وله شرح على المصابيح وفيه إخراج لنفائس البلاغة النبوية وكذلك القرآنية, والآخر السهيلي وله إبداعات عجيبة جدا في هذا.
الدكتور محمد الخضيري: أضف إلى هذا ابن القيم رحمه الله - وإن كان استفاد من السهيلي- في بدائع الفوائد , ومن يقرأ في الكتب التي أخرجت في جمع تفسير ابن القيم يجد أن كثيرا منها يدور في هذا المعنى ,فابن القيم - أظنه - لا يملك نفسه في كل مرة يقول وهذه من لطائف التنزيل وهذه لا يتفطن لها إلا الفطن وهذه لم تأتي إلا بعد جهد.
الدكتور مساعد الطيار: وأيضا الرازي -رحمه الله تعالى - في كتابه ولكن لأ كتابه كبيرا جدا والاتساع أضاع كثير من هذه الشوارد ,التي تحتاج إلى جمع , ولو انبرى أحد طلبة العلم في جمع لطائف التفسير في تفسيره سيجد الكثير جدا.
الدكتور محمد الخضيري: تتميما لكلام الدكتور عبد الرحمن في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} ولماذا قدم ما حقه التأخير , وقد يكون لم ينتبه لها الكثير من الأخوة وهو ما الفرق بين إياك نعبد و نعبدك , فإياك نعبد توحيد , ونعبدك ليست توحيدا.
خذ مثلها في سورة يحفظها كثيرا من الناس بل ويرددونها في الصلوات وهي سورة قل هو , آخرها قال فيها: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} الصمد , فهذه مقلوبة قلبا , فهي" ولم يكن أحد كفوا له " فالجملة الأخيرة مقلوبة قلب كامل , لماذا؟ لهذه الحكمة البلاغية وهي أن تقديم ما حقه التأخير يدل على الحصر , هذا كله من أجل إثبات هذا المعنى العظيم.
الدكتور مساعد الطيار: وكأنه لو قال نعبدك لا يلزم منها نفي عبادة الغير.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: من المعاني الرائعة في القرآن الكريم , هو العناية بالتقديم والتأخير ودلالاته ,قد يقول البعض هل تتوقعون أن العرب في الجاهلية أو في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يتفطنون لهذه الأشياء , وهي انك لو قدمت ما حقه التأخير أن له معنى؟ تأملت هذا في أشعار الجاهلية بالذات ففيها عناية بهذا الجانب لا تكاد تصدق وهذا دليل على أنهم أصحاب سليقة , ولذلك جاء القرآن الكريم على هذه السليقة الرائعة ,فلو تأملت شعر امرؤ القيس فقط تجد الأدوات في شعره تستخدم بمهارة عالية , متى يستخدم ما " ومتى يستخدم "لم" متى يقدم اللام ومتى يستخدم التأكيد, وتجد فيها بلاغات عالية جدا من أعلى البلاغات في لسان العرب , ثم إذا جئت للقرآن الكريم فإذا بينه وبينها مسافات , ولذلك - أنا كنت و لا زلت - أنتقد القاضي الباقلاني فقد قال
¥