في كتابه إعجاز القرآن دعونا نأخذ قصيدة امرؤ القيس التي أجمع العلماء أنها من أجود شعر العرب فنبين ما فيها من الضعف والخلل , وبعد ذلك يأتي ويقارنها بالقرآن , فقلت ما صنعت شيئا- رحمك الله -, فليتك بينت ما فيها من الجمال وإلا فلماذا اختارها كل هؤلاء , ثم إذا بينت ما فيها من الجمال وازن بعد ذلك بينها وبين القرآ، الكريم لتبين الفرق الكبير بينهم , أما أن تأتي تشتمها ثم توازن بينها وبين القرآن , ما صنعت شيئا , لأنك وزانت بينه وبين شيء ضعيف.
الدكتور مساعد الطيار: يبدو انه لم ينتبه لهذه الحيثية مع ما أعطاه الله من العقل.
الدكتور محمد الخضيري: عندي قصة عجيبة في هذا الباب تؤكد اهتمام العرب بهذه الأمور وعنايتهم بها , يذكر في القصص عند تفسير {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} , أن رجلا قام فسب رجلا فلم يلتفت له المسبوب , فاغتاظ , فقال إياك أعني - أراد لا اعني أحدا سواك - فقال المسبوب له وأنت أعرض - أي لا اعرض عن أحد سواك - لم يقل أنا أعرضت عنك , فرد عليه بأقوى منه.
الدكتور مساعد الطيار: لعلنا في اللقاءات القادمة نبين هذه الفكرة بالذات وهي عناية العرب بلغتهم وفهمهم لهذه الدقائق , فنحن نحتاج إلى هذه الصنعة لنفهم هذا القرآن الكريم على وجهه.
و لعلنا ننتقل إلى موضوعات سورة البقرة والتي هي أطول سور القرآن الكريم, فالمتوقع أن تكون مليئة بالموضوعات , فأول موضوعات كما نعلم هو التقسيم.
الدكتور محمد الخضيري: ذكر صفات المؤمنين والكافرين والمنافقين.
الدكتور مساعد الطيار: قد يقول قائل أنه في القسم الأول ذو التقسيم الثلاثي لم يذكر أهل الكتاب فبعض العلماء يقول أنهم ذكروا ضمنا في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} لأن نهاية أمرهم إلى الكفر, وبعضهم يقول أنها في قوله {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} أي خلا المنافقون إلى شياطينهم , وشياطينهم هم اليهود الذين كانوا في المدينة , فأين النصارى إذن , هنا فائدة لطيفة قد لا يدركها كثير من الذين ممن يسمع عن هذه الطوائف , فالنصارى تبع لليهود بمعنى أنه إذا خوطب اليهود في القرآن فالنصارى يلحقهم هذا الخطاب , لماذا؟ لأن النصارى يؤمنون بدين اليهود , ولكن اليهود لا يؤمنون بدين النصارى , لذلك خذها قاعدة وأنت تتكلم مع النصارى , إذا جاءت وقلت لنصراني في مزمور كذا ذكر كذا وكذا وتحتج عليه لا يقول أنا لا أؤمن بالمزمور لا يمكن , لكن لو جئت ليهودي وقلت له في إنجيل متى كذا , يقول لك أنا لا أؤمن أصلا بالإنجيل , فلاحظ هذه القضية فهي قضية مهمة , لذلك إذا قال يا بني إسرائيل وهو يتكلم عن الديانة اليهودية فالنصارى تبع لهؤلاء.
الدكتور محمد الخضيري: إذن لي يا دكتور مساعد في تفسير الطاهر ابن عاشور التحرير والتنوير- قبل أن نذكر موضوعات في هذه السورة- ذكر أمرين , من المهم أن نطلع على ما ذكره فيهما من أجل أن نتبين فيما تدور هذه السورة وموضوعاتها إلى أين تتجه.
يقول: [ومعظم أغراضها ينقسم إلى قسمين: قسم يثبت سمو هذا الدين على ما سبقه وعلو هديه وأصول تطهيره النفوس] هذا واحد , وهذا الذي ذكر فيه أصناف المؤمنين ومحاجة أهل الكتاب وذكر معايبهم والخصومة معهم وذكر أخلاقهم الخ , [وقسم يبين شرائع هذا الدين لأتباعه وإصلاح مجتمعهم] فيقول هذه السورة تدور في هذين الغرضين تقريبا.
الدكتور مساعد الطيار: إذن الموضوع الأول تقسيم الناس.
الدكتور محمد الخضيري: الثاني الدعوة لتوحيد الله -عز وجل- فبعد أن ذكر هذا قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)} واستدل على هذا التوحيد لأنه هو المقصود.
الدكتور مساعد الطيار: يقولون هو أول أمر في القرآن الكريم ,, وهو مرتبط بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} , وهو أول نداء في القرآن الكريم.
¥