الدكتور محمد الخضيري: أضف إلى ذلك في قصة البحر عندما يدخلون في اثنا عشرة طريقا يمشون سريعا وحتى يتفقدون كل من معهم فهم قادمون على معمعة وقد يفقد أحد أو يتخلف أحدا , وأفضل طريقة لهذا أن يقسم الناس ,فليس هناك طريقة يمكن أن تنادي بها بالأسماء أو بالأرقام , وإنما يقال بنو فلان وبنو فلان وهذا أيسر ما يكون , فمثلا في الحج وأنت في حملة فتقسم الناس أهل نجران, أهل جيزان ,أهل أبها, أهل الرياض وهكذا.
نأتي الآن لقصة البقرة فهناك مسألة في القصة - قد تشكل على القارئ - فعندما تقرأ القصة تقرأها وكأنما تقرأها من منتصفها , ثم إذا أتيت لآخرها تجد قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)} فهل هذا تابع للقصة جاء بعدها , أو حدث ذلك قبلها , أو هي قصة منفصلة؟ ما قول أهل العلم في ذلك؟
الدكتور عبد الرحمن الشهري: يرى المفسرون أنها قصة واحدة و أنه أخر ما حقه التقديم , فقدم الله -سبحانه وتعالى- الحل ثم ذكر سببها , فذكر أن سبب أمر بني إسرائيل بذبح بقرة أنه قد قتل فيهم قتيل , واختلف فيمن هو القاتل فكان الحل الذي أمر به موسى - عليه السلام - أن يذبحوا بقرة ويضربوا بلحمها هذا المقتول , فيحيا بإذن الله تعالى ويخبر عمن قتله , وفيما يبدوا لي أن تقديم العلاج في القصة قبل ذكر السبب لأن العبرة في القصة هو في الحل وفي استجابتهم لأمر الله الذي جاء به موسى - عليه السلام - فقدمت على سببها ,لأن السبب قد يقع في أي مكان , ففي أي مكان قد يقتل قتيل ويختلف فيمن قتله , لكن الحل الإلهي الذي أمر الله به كان هو العبرة , فلاحظوا أن سورة البقرة كلها كانت بسبب هذه القصة فتقديمها في نفس سياقها وجيه.
الدكتور محمد الخضيري: وتشير لأمر مهم , وهو أن تعطى هذه الأمة نموذجا على ما فعله بنو إسرائيل فيقال لهم انظروا ماذا فعل بنو إسرائيل مع نبيهم موسى - عليه السلام - فيأمرهم بأمر {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} فيقولوا له: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} فيقول: {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)} قالوا: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} وبدأت الأسئلة.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لاحظ الأدب في قولهم "ربك".
الدكتور محمد الخضيري: كأنك أنت ربك شيء ونحن شيء آخر.
الدكتور مساعد الطيار: وكما قالوا: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)} المائدة.
الدكتور محمد الخضيري: فلما أعطيت الأمة هذا المعنى , قيل لهم أن سبب هذه القصة والمشكلة وأمر موسى لقومه أن يذبحوا بقرة- هو قوله: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)} فقدم هذا الأمر ليبرزه للأمة , فيقال لهم انتبهوا أن تفعلوا كما فعل بنو إسرائيل أو أن يحصل لكم مع نبيكم مثل ما حصل من بني إسرائيل مع نبيهم من التلكؤ والتباطؤ وعدم الاستجابة والعناد وتكرار الأسئلة , لذلك في الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم -: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» رواه البخاري ومسلم , فالاختلاف على أنبيائهم جاء هنا في قوله" أتتخذنا هزوا" ,وكثرة مسائلتهم في قوله "ادع لنا "مرة بعد أخرى , وفي الأخير قالوا "الآن جئت بالحق"!
الدكتور مساعد الطيار: بني إسرائيل قال فيهم الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)} الأحزاب.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لا مقارنة بينهم وبين أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
الدكتور مساعد الطيار: وأيضا قال: { .. لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ .. (5)} الصف, فأذيتهم لموسى - عليه السلام - وهو من أولو العزم من الرسول , وهو الذي أنقذهم الله به من ضيم فرعون فانظر كيف تعاملوا معه.
¥