تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن النقوش آنفة الذكر لم تكن الإثبات الوحيد على وجود إقليم في جزيرة العرب باسم مصر، فعلى سبيل المثال نقرأ أن الكاتب الإغريقي "أبولودور" ( Appollodorus) كان على علم بهذه المسألة وسجلها في مؤلفه المكتبة ( Bibliotica)، الذي يعتقد بأنه صدر في القرن الأول أو الثاني قبل الميلاد، وفي ذلك المؤلف الذي يحوي الخرافات والأساطير الإغريقية، أشار الكاتب لـ "مصر في جزيرة العرب" هذه الإشارة العابرة لإقليم مصر، تؤكد أنه وجد في ذاكرة العالم القديم وحتى القرن الثاني أو الأول قبل الميلاد، معلومة، أو بقايا معلومة، عن بلاد باسم مصر في جزيرة العرب.

بناء على ما تقدم يستخلص أنه وجدت في الماضي منطقة في جزيرة العرب عرفت باسم مصر. ولكن؛ أين موقعها الجغرافي؟ يرى بعض الباحثين أن الاسم "مصر" يشير إلى نطقة من مناطق البادية، ويغلب الظن أنها كانت قريبة من البحر الأحمر ومن الحدود المصرية (د. عبد العزيز صالح)، ولكن هذا التحديد أقرب إلى النفي منه إلى أي شيء آخر، لأنه لا يعتمد على أدلة أو حجج علمية. برأينا أن "مصر" أرض تقع في جنوب شبه الجزيرة العربية. وللبرهان على ذلك علينا استشارة التوراة وما قاله المؤرخون القدامى وإعادة قراءة النقوش الأثرية التي ورد فيها اسم "مصر" قراءة موضوعية. تقول التوراة واصفة تنقلات إبراهيم: "وانتقل إبراهيم من هنالك إلى أرض الجنوب وسكن بين قادش وشور" _ سفر التكوين (20 _ 1)، وتكرر التوراة الإشارة إلى الموضع (شور) عدة مرات، كموضع أو مدسنة شهيرة في تلك البلاد الجنوبية التي ارتحل إليها إبراهيم. وتحدد التوراة في موضع آخر مكان بلاد (شور) قائلة: "شور التي أمام مصر" _ سفر التكوين (25 _ 18)، وقد افترض مؤخرا الأشاوس على الفور أن المقصود من (شور) هو بلاد أشور الرافدين، بينما بلاد آشور لا تقع أمام مصر وادي النيل ولا خلفها. فأين موضع شور هذه؟ إن تحديد موضع شور هذه، سوف يؤكد فرضيتنا بأن هناك مقاطعة في شبه الجزيرة العربية وتحديدا في اليمن أطلق عليها اسم مصر، وفي ذلك يقول "هوغو ونكلر" ( Hugo Winckler): إن أشوريم عشيرة عربية من قبائل قطورة بإجماع علماء التوراة، ولا صلة لها بـ (أشور) أي ألشوريين، وقد ورد في الترجوم أن أشوريم مضرب لخيام أشور، وقد ورد اسم أشور في نصوص معينية مقرونا باسم موضع عبر نهرن، ونقع هذهالمنطقة من طور سيناء إلى بئر السبع وحبرون وتحاذي مصر في جزيرة العرب ... .

لكن ماذا كانت تعني النصوص المعينية بـ "ااشور / ااشر" المقرونة بـ "عبر نهرين"؟ السادة مؤرخونا الأفاضل أصحاب وحراس الفكر العربي الآسن، ممن تربوا على أيدي الأثريين التوراتيين، كان لهم تفسير غاية في الغرابة، فذهبوا إلى أن "ااشور / ااشر" هي آشور، عبر النهرين هي بلاد ما بين النهرين!؟.

لكننا بالبحث عن هذه الأمانكن، نفاجأ بأنها موجودة في إطار جغرافية اليمن، لا في بلاد أخرى يفترض وجودها فيها.

فالمؤرخ "د. جواد علي" يذكر في كتابه الموسوعي (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) "إن أهم المدن القديمة فيها (يقصد دولة قتبان)، كانت شور وحريب".

علاوة على ذلك يوجد "واد السر" على بعد 23كم إلى الشمال الشرقي من صنعاء، يطل عليه حصن (ذي مرمر) وحصن ضباب وجبل صرع. وقد وصفه لسان اليمن المؤرخ "الهمداني"، في سفره الرائع صفة (جزيرة العرب): "هو من عيون أودية اليمن وبه قرى كثيرة ومنازل لآل الروية للضيافة ولمن سبل الطريق، وفيها من جبال مراد جبل برجام في السر، ومنازل آل الروية باعفاف وحذان من السر ... والسر مبتدأ المحجة إلى البصرة من صنعاء ووادي سعوان .. ".

أما فيما يخص"عبر النهرين" فهناك في الراضي اليمنية واد يدعى وادي ميتم يتفرع عن جبل التعكر إلى فرعين، وبينهما أسست مدينة "جبلة" وقد وصفها "ياقوت الحموي" قائلا: "جبلة بالكسر ثم السكون ذو جبلة مدينة باليمن تحت جبل صبر وتسمى ذات النهرين وهي من أحسن مدن اليمن وأنزهها وأطيبها ... وكان أول من اختطها عبد الله بن محمد الصلحي المقتول في سنة 374، وكان أخوه علي ولاه حصن التعكر وهذا الحصن على الجبل المطل على ذي جبلة، وهي في سفحه، وهي مدينة بين نهرين جاريين في الصيف والشتاء".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير