تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويعلق محقق كتاب الهمداني العلامة محمد بن علي الأكوع على ذلك قائلا: السحول سرة اليمن ومصر اليمن، والشائع لدى عامة الناس في عوم اليمن، أن من يهرب من الجوع فعليه السحول، وفيه يقول حكيم المزارعين اليمنيين "علي بن زايد" في أحد مهاجل البذار:

إن كنت هاربا من الموت ـــــ ما حد من الموت ناجي

وإن كنت هاربا من الجوع ـــــ أهرب سحول بن ناجي

وفيه يقول "طرفة بن العبد":_

وبالسفح آيات كان رسومها ـــــ يمان وشتة ريدة وسحول

ويدخل في السحول قسم من يحصب يعرف بذي قينان، وتعد يحصب من المناطق الخصبة زراعيا، ولذلك تعددت السدود التي أقامها اليمنيون القدماء في هذه المنطقة، حتى قيل إنها وصلت ثمانين سدا، وإلى ذلك أشار "أسعد تبع" في قوله: _

وفي البقعة الخضراء من أرض يحصب ـــــ ثمانون سدا تقذف الماء سائلا

لدينا علاوة على ذلك نقش جدير بالتنويه له، فقد ذكر "ابن هشام" أنه وجد باليمن مقبرة مفتوحة نتيجة للطوفان أخرجت منها رفاة امرأة لفت حول عنقها أشرطة من اللؤلؤ، خواتم مرصعة بالأحجار الكريمة ووضعت، كما وجدت لوحة عليها نقوش ترجمها "جون فوستر" كما يلي:

"باسم الله، إله حمير:

أنا تاجة ( Tajah) ابنة ذو شنار ( DHU SHEFAR) أرسلت وكيلي إلى يوسف.

ولما تأخر في العودة إلي أرسلت إليه وصيفتي.

ومعها مكيال من الفضة ليرده إلى مكيال من دقيق.

ولما عجزت عن الحصول عليه أسلتها بمكيال من الذهب.

ولما عجزت عن الحصول أرسلتها بمكيال من لؤلؤ

ولما عجزت عن الحصول عليه أصدرت أمرا بطحنها.

ولما لم أجد أي فائدة منها كان مصيري الدفن هنا.

فإلى كل من يسمع عني، هلا رثى لمصيري

وإلى أي امرأة تفكر في التحلي بحلية من زينتي.

أن تلقى الميتة نفسها التي لقيتها.

هذه النقوش السالفة تنتمي إلى زمن يوسف، وهي تؤيد تماما ما جاء في القرآن من القحط الذي أهلك عددا من الأمم في تلك العصور.

إن الاهتداء الصحيح لموقع مصر، سيؤدي بنا لمناقشة مسألة خطيرة، وهي هل ينحدر العرب حقا من أم مصرية (هاجر)، وماذا كان يقصد بها؟

من الأمور الجديرة بالملاحظة، إشارة التوراة إلى انحدار العرب من أم مصرية (هاجر) فهل المقصود بذلك مصر _وادي النيل أم مصر العربية، كما ذكر "ونكلر" فيما سبق؟ يبدو أن المقصود هنا ليس مصر وادي النيل، وإنما هو مصر جزيرة العرب.

إن قضية اسم أم إسماعيل بأنه كان "هاجر"، أمر سهل التفسير، لأن أهل اليمن يطلقون على المدينة اسم "هجر" والمتتبع للتاريخ اليمني القديم يعرف عمق الـ "الهجر"، فلفظ "هجر" قد عرف قبل انتشار الإسلام في اللغة اليمنية القديمة.

فيقال "هـ ج ر ن / ص ن ع و " كما في ( CIH 314 /1, GL 452 A / 4,1)، أي مدينة صنعاء، و"هـ ج ر ن / م ر ب" ويرد الاسم أيضا (بالياء) أي "هـ ج ر ن / م ر ي ب" كما في ( CIH 19/16, CIH 389/41 RES 3197/4) أي مدينة مأرب، و"هـ ج ر ن / ت م ن ع" كما في ( RES 3566/4.8 RES 3691/8) أي مدينة تمنع، و"هـ ج ر ن / ش ب م" كما في ( S H 32/17, JR 32/25.26) أي مدينة شبام في حضرموت.

ويذكر "محمد بن علي الأكوع الحوالي محقق كتاب (صفة جزيرة العرب) للهمداني أن "الهجر بالتحريك في لغة حمير، القرية الكبيرة".

وذكر "ياقوت الحموي" في (معجم البلدان) أن الهجر بلغة حمير والعرب العاربة: القرية، فمنها هجر البحرين، وهجر نجران، وهجر جازان".

وقد ذكر لسان اليمن "الهمداني" لفظة "الهجر" في كتابه المعروف (صفة جزيرة العرب)، بقوله: "والهجر هي القرية الحديثة ... "، وقد أيدت النقوش ما سجله "الهمداني"، فقد نشر "د. يوسف عبد الله" نقشا يمنيا جاء فيه: "هجرهو"، وترجمتها بأن "هجر": المدينة، وأن هو: الضمير، فيصبح المعنى: "مدينته". أما الكلمة التالية فكانت: نأت، وجنأ، وهي لفظة شائعة في النقوش اليمنية القديمة، وتعني سور، وجمعها: جنات. وانتهى بذلك إلى أن: "هجرهو جنأت" تعني مدينته ذات الأسوار، أي المدينة المسورة.

وكان "د. محمود الغول" قد أكد هذا المعنى في مقالة بعنوان (مكانة نقوش اليمن في تراث اللغة العربية الفصحى)، فقال: "أما الهجرة، وهي قضية كبرى في الإسلام، فقد اشتقها الناس من هجر المكان بمعنى تركه، وإن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه كان تركه "مكة" إلى "المدينة"، وهذا ليس صحيحا على علاته، فالهجرة في حقيقتها مأخوذة من (الهجر)، وهي بلغة النقوش ولغة حمير: القرية أو المدينة التي فيها سلطان أو من ينوب نيابة، ومعنى هاجر لذلك هو اتخاذ الهجر دارا للإقامة والتقييد بطاعة صاحب الأمر فيها".

واللغة الشمالية تعرف لفظ "هجر" ضمن الألفاظ الجغرافية المتخصصة، وذلك في الدلالات المرتبطة بأسماء الأعلام، وكذلك في أسماء العلم المركبة والتي تعرف بالإضافة. وقد اشتق منها فعل بمعنى (هاجر).

فـ "هاجر" على هذا، امرأة هجرية، والارتباط بمصر، هو ارتباط بمصر العربية اليمنية. ا. هـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير