تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال سبحانه: ?قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ? (10)، فالمسلم حياته كلها عبادة وطاعة لله عز وجل، وهو يتقرب إلى الله بالصلاة كما يتقرب إليه سبحانه بالسعي في طلب الكسب الحلال. قال سيد قطب: (لا يخطو المسلم في حياته خطوة، ولا يتحرك في ليله أو نهاره حركة، إلا وهو ينظر فيها إلى الله. ويجيش قلبه فيها بتقواه، ويتطلع فيها إلى وجهه ورضاه. فإذا الحياة كلها عبادة تتحقق بها إرادة الله من خلق العباد، وتصلح بها الحياة في الأرض وهي موصولة السبب بالسماء) (11).

وعن أي هريرة أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ مِنَ الذُّنُوبِ ذُنُوبًا لاَ يُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ، وَلاَ الصِّيَامُ، وَلاَ الْحَجُّ، وَلاَ العُمْرَةُ. يُكَفِّرُهَا الْهُمُومُ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ" (12).

ويتسع مجال العبادة التي يثاب عليها المسلم حتى لا تدع شيئا في حياة المسلم، حتى الشهوة التي يقضيها المسلم. فعن أبي ذر: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ: أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٍ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةً، وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةً، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةً. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ، أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا" (13).

- والوجه الثاني: ورد في السنة ما يدل على شرعية الذكر والدعاء بغير المأثور. فعن أنس بن مالك قال: كنت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جالسًا في الحلقة، إذ جاء رجل فسلّم على رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم والقومِ فقال: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ. فردّ الرسول صلى الله عليه وسلم: "وَعَلَيْكُمُ السَّلاَمُ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ". فلمّا جلس الرجل قال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا أَنْ يُحْمَدَ وَيَنْبَغِي لَهُ". فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ قُلْتَ؟ " فرَدَّ عليه كما قال. فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدِ ابْتَدَرَهَا عَشْرَةُ أَمْلاَكٍ، كُلُّهُمْ حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَكْتُبَهَا، فَمَا دَرَوْا كَيْفَ يَكْتُبُونَهَا، حَتَّى رَفَعُوهَا إِلَى ذِي العِزَّةِ، فَقَالَ: اكْتُبُوهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي" (14).

وعن عبد الله بن عمر أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حدّثهم أنّ عبدًا من عباد الله قال: "يَا رَبِّ، لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلاَلِ وَجْهِكَ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ"، فَعَضُلَتْ بِالْمَلَكَيْنِ فَلَمْ يَدْرِيَا كَيْفَ يَكْتُبَانِهَا، فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ فَقَالاَ: يَا رَبَّنَا، إِنَّ عَبْدًا قَدْ قَالَ مَقَالَةً، لاَ نَدْرِي كَيْفَ نَكْتُبُهَا! قَالَ اللَّهُ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ عَبْدُهُ-: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ قَالاَ: يَا رَبِّ، إِنَّهُ قَالَ: (يَا رَبِّ، لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلاَلِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ). فَقَالَ لَهُمَا: اكْتُبَاهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي حَتَّى يَلْقَانِي، فَأَجْزِيَهُ بِهَا" (15).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير