تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العربي إلى أن القاضي أبا بكرالباقلاني (18) سبق الغزالي في كشف عوار الباطنية، ولكن هذا الأخير أجاد في الترتيب (19).وأما أبوإسحاق الشاطبي فقد حرر المسألة بطريقة مغايرة، حين لم يمنع الأنظار الباطنة للقرآن ولكن بشرطين اثنين: أحدهما أن يصح على مقتضى الظاهر المقرر على لسان العرب، ويجري على المقاصد العربية. والثاني أن يكون له شاهد نصا أو ظاهرا في محل آخر يشهد لصحته من غير معارض" (20) وبعد أن ذكر الشاطبي أمثلة للتفسير الذي اعتبره من قبيل الباطن الصحيح، ومنها تفاسير مشكلة ـ كما يقول ـ مثاله تفسير ابن عباس ـ من السلف ـ لقوله تعالى ?الم? ألف الله،ولام جبريل، وميم محمد، علق على هذا قائلا:"وهذا إن صح في النقل فمشكل،لأن هذا النمط من التصرف لم يثبت في كلام العرب هكذا مطلقا. " (21) ثم ضرب أمثلة من تفسير سهل بن عبد الله (22) ـ من الخلف ـ كما قال في قوله تعالى: ?وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ........ الخ? (23 أما باطنها فهو القلب،?والجار الجنب ?النفس الطبيعي، ?والصاحب بالجنب?العقل المقتدي بعمل الشرع، ?وابن السبيل ? الجوارح المطيعة لله عز وجل. وهو من المواضع المشكلة في كلامه" (24) وقد أنكر مثل هذا التفسير،إذ لا يوجد له موافق ولا مقارب من كلام السلف،ولا ثَمّ دليل يدل على صحته، لامن داخل السياق ولا من خارجه، بل مثل هذا أقرب إلى ما ثبت نفيه ورده عن القرآن من كلام الباطنية ومن أشبههم. (25)

وثمة تفسير آخر من جملة التفسير الباطن للقرآن، أدرجه ضمن الاعتبارات القرآنية، وقد عبر عنه ابن عاشور بقوله:"أما ما يتكلم به أهل الإشارات من الصوفية في بعض آيات القرآن من معان لا تجري على ألفاظ القرآن ظاهرا ولكن بتأويل ونحوه فينبغي أن تعلموا أنهم ما كانوا يدّعون أن كلامهم تفسير للقرآن، بل يعنون أن الآية تصلح للتمثل بها في الغرض بها في الغرض المتكلم فيه،وحسبكم في ذلك أنهم سموها إشارات ولم يسموها معاني، فبذلك فارق تفسير الباطنية." (26)

ولكي يضع ابن عاشور حدا فارقا بين التفسير الإشاري (27) والتفسير الباطني، ضرب لنا أمثلة للأول منهما بأنواعه الثلاثة ـ حسب تقسيمه ـ حتى تكون ميزانا تقي المسلم منتخليط الباطنية، والأمثلة هي كالتالي:

الأول: ما كان يجري فيه معنى مجرى التمثيل (28) لحال شبيه بذلك المعنى، ومثاله? وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ? (29) وفيها إشارة للقلوب لأنها مواضع الخضوع لله تعالى إذبها يعرف فتسجد له القلوب بفناء النفوس. ومنعها من ذكره هو الحيلولة بينها وبين المعارف اللدنية، وسعى في خرابها بتكديرها بالتعصبات وغلبة الهوى، فهذا يشبه ضرب المثل لحال من لا يزكي نفسه بالمعرفة ويمنع قلبه أن تدخله صفات الكمال الناشئة عنها بحال مانع المساجد أن يذكر اسم الله، وذكر الآية عند تلك الحالة كالنطق بلفظ المثل.

الثاني: ما كان من نحو التفاؤل، فقد يكون للكلمة معنى يسبق من صورتها إلى السمع هو غير معناها المراد وذلك من باب انصراف ذهن السامع إلى ما هو المهم عنده، والذي يجول في خاطره، كمن قال في قوله تعالى: ?مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ?30) من ذلّ ذي إشارة للنفس يصير من المقربين الشفعاء، فهذا يأخذ صدى في النفس ويتأوله على ما شغل به قلبه.

الثالث: عبر ومواعظ وشأن أهل النفوس اليقظى أن ينتفعوا من كل شيء ويأخذوا الحكمة حيث وجدوها فما ظنك بهم إذا قرأوا القرآن وتدبروه فاتعظوا بمواعظه فإذا أخذوا من قوله تعالى: ? فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيل31) اقتبسوا أن القلب الذي لم يمتثل رسول المعارف العليا تكون عاقبته وبالا. (32)

وكلما سنحت لابن عاشور فرصة ـ خلال تفسيره ـ للإنكار على الباطنية اهتبلها، ليكشف عوارها ويدل على فساد عقائدهم وأفكارهم، كقوله:"وحرَّف أقوام آيات بالتأويل البعيد ثم سموا ذلك بالباطن وزعموا أن للقرآن ظاهراً وباطناً فكان من ذلك لبس كثير، ثم نشأت عن ذلك نحلة الباطنية، ثم تأويلات المتفلسفين في الشريعة كأصحاب «الرسائل» الملقبين بإخوان الصفاء." (33)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير