تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن منهج محمد عبده والمراغي ورشيد رضا في الدين كله لم يكن متروك الفضل في بيانه إلى المعاصرين، حتى يصبح منهجهم محل نزاع وليد العصر، بل قد تناوله آخر شيوخ الإسلام في دولة الخلافة، وهو شيخ الإسلام مصطفى صبري - رحمه الله ورضي عنه - في سفره العظيم (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين) وهو سفر عظيم يعد أفضل موسوعة معاصرة و شبه معاصرة في تفنيد خلافات المخالفين الطاعنين والمفتنونين المخدوعين. وحتى تلك اللحظة لم نعلم موسوعة في ثقلها ومعيارها.

إذا فليس كما يقول السيد أبو عمر في ثناء المعاصرين لمحمد عبده، لأن هناك من هم أجل وأعلم وأرسخ قد تناول منهجه بالنقد، بل واعتبره إفسادا لدين. وأنا أدرك تماما ما أقول، وألتزمه.

ثم نقول لمن يدفع عن نقد محمد عبده بمكانته: وهل تعرف من الذين رفض محمد عبده مناهجهم وهاجمها وجعل الناس تسمها بالجمود والتخلف؟

إنه ((الأزهر)) .. الأزهر كله، لا شيخ بعينه ولا مدرسة بعينها. إنه الأزهر الممتد عبر عدة قرون متمثلا في أناس هم إلى الآن أدلة الائمة .. إنه الإمام البيجوري صاحب الحاشية الشافعية الشهيرة والمتوفى سنة 1856م .. إنه الشرقاوي .. إنه شيخ مشايخ الإسلام زكريا الأنصاري .. إنهم الأئمة أصحاب الشروح والحواشي الجامدة التي انتقدها محمد عبده، والتي ضيع بضياعها تاريخا جليلا من العلم الجليل .. إنه الأزهر أيها الفاضل، الأزهر ليس هو محمد عبده ولا ملراغي، بل هؤلاء محدثون على أزهرنا كما يعرف ذلك أجلة المشتغلين بالعلوم والمتمسكين بالتراث الرافضين لمناهج الإفساد التجديدية بزعمهم .. إنه الأزهر الذي ينتقد مناهجه البعض ممن ينتسب إليه وهم في الحقيق ينتسبون مراغية لا أزهرية .. نعم .. إن الانتساب للأزهر ليس هو الانتساب إلى المراغي ولا إلى شلتوت - رحم الله الجميع -، إن الأزهر آصل من ذلك وأقدم، الأزهر هو أئمته أصحاب العواميد الأصّل، الذين أفسد المحدثون الأزهر بمحاربة مناهجهم، الأزهر هو البيجوري وزكريا الأنصاري .. هو ابن حجر والسيوطي .. وهكذا تتسلسل في العلم والتلقي إلى أن تصل إلى الأئمة المتبوعين .. فهل أخرج لنا الأزهر بعدما احتله فكر محمد عبده والمراغي من هو مثل هؤلاء؟ اذهب للأزهر الآن وانظر إلى طلبته وابك حالهم، فهل هذا ما كان يبغيه عبده والمراغي؟ .. لا تتسرع أيها السيد وتجعله مرفوعا عن محل النقد، فنحن ما ننتقد بذواتنا، وليس الواحد منا يعبر عن نفسه، بل نحن ننتسب إلى الأزهر، الذي هو أقدم من محمد عبده والمراغي، وفكره الأصيل أعمق واضرب في جذور التاريخ، والذي يدفع هذا الفكر الدخيل ليس نحن، بل هو المنهج الأزهري الأصيل، هو ما نتبعه، وهو ما يظهر فساد الفكر المراغي من أول نظرة نلقيها على كليهما.

نعم، إن المنهج الذي يرفضه البعض ويتهمونه بالتخلف ليس هو ما أراد التلفزيون أو لإعلام أن يصوره أنه شيوخ أزاهرة متخلفون، ثم جاء الملاكين الأبيضين محمد عبده والمراغي بأجنحتهما الرفرافة ووجوههما السمحة، ليحلوا ما حرم هؤلاء الجامدون، من الغناء والاستماع للأغاني في المذياع .. إلخ تلك المحرمات. اعرفوا التاريخ، لتعرفوا أن هؤلاء المتخلفين هم عمالقة الدنيا الذين تركوا لنا شروحا وحواش نحن إلى الآن ننهل منها .. من يستغني الآن عن حاشية العطار؟ من شافعي يستغني عن حاشية البيجوري؟ من يستغني عن الشرقاوي؟ .. اعرفوا التاريخ لتعرفوا أين ضربنا المخطط الغربي .. لقد ضربنا في مقتل، في أزهرنا، علموا أن الدين في التراث، فسلطوا مناهج الاستشراق واستوقدوا شعور الهزيمة الذي يملأ قلوب المسلمين، فأعملوا خطتهم ونجحت. وخفت صوت الأزهر، ثم مات، بموت أئمته أصحاب العواميد، الذين كانوا يصدرون كلمتهم من الجامع الأزهر، فإذا الأزهر الآن هو مزار سياحي يدخله الأجانب والأجنبيات عرايا، وصارت المنابر التاريخية الأصيلة شاهدا على تاريخ ذهب أهله.

من هنا، فلن أقوم - كذلك - باختراع العجلة بأن أعيد ماقالوه، ولن آتي بكلام من عند نفسي، فنسبة الكلام إلى شخصي هو حط من اعتباره، وإنما أحيلكم إلى شيخ الإسلام مصطفى صبري رحمه الله ورضي عنه، آخر مشايخ الإسلام في دولة الخلافة، في موسوعته (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين) فقد تناول تفنيد منهج هذه المدرسة، ولم يتوانى عن التصريح بأسماء أصحابه، بل كان ذلك منهجا له في ذلك الكتاب، ولم يكتف كذلك برؤوس المدرسة، بل تطرق إلى أوائل أتباعها كفريد وجدي وهيكل وغيرهما.

ومن أراد أن يرد فليرد على شيخ الإسلام مصطفى صبري، يرد عليه باسمه ومكانته كما يدفعون عن محمد عبده باسمه ومكانته، وكما يردون على صغار المعاصرين باسمهم ومكانتهم. بل وعليهم أن يفندوا ما أورده، لا مجرد ما يسمى ردا في عرف العامة، وهوما يشمل أي كلام، بل ليأتوا بنصوص وتفنيدات مصطفى صبري، وليردوا عليها بمنهج علمي كما فعل، فإن لم يقوموا بذلك فليسكتوا هو خير لهم من الكلام واللغو، وهنا نعذر لو تجاهلناهم، فالأعمار عزيزة.

والحمد لله رب العالمين.

أما إطلاق الألفاظ غير اللائقة في محمد عبده، كما يقع من بعض صغار المعاصرين، والحط عليه، فلست من ذلك في شيء، والله تعالى يرحمه ويغفر له ويجزيه بقدر ما نوى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير