تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم قل مثل هذا في أصحاب نبينا صلوات الله وسلامه عليه ورضي عنهم أجمعين. فإنا نقرأ من فضائل علي رضي الله عنه أن زوجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته الطاهرة رضي الله عنها وأرضاها. ولم يكن ذلك لأبي بكر رضي الله عنه. فهذا مطلق فضل اختص الله به علياً على أبي بكر رضي الله عنهما، لكنه لم يلزم منه الفضل المطلق، بل قد فاق أبو بكر رضي الله عنه كل الأمة وفيهم علي وعمر وعثمان رضي الله عنهم.

بعد ذلك أذكر حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن). قلن رضي الله عنهن: (وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله)؟ صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: (أليس شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل)؟ قلن رضي الله عنهن: (بلى). قال صلى الله عليه وآله وسلم: (فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم)؟ قلن رضي الله عنهن: (بلى). قال صلى الله عليه وآله وسلم: (فذلك من نقصان دينها).

والحديث متفق عليه.

فماذا يعني نقصان الدين هنا؟ إذا لم تصلّ لحيض فقد أطاعت الله، فكيف يكون ذلك نقصاناً؟ أوليست طاعة الله تزيد المرء ولا تنقصه؟ نعم، هذا صحيح، فالمرأة لم تنقص، ولكن دينها نقص.

وهل ثمة فرق بين أن تنقص المرأة أو ينقص دينها؟ نعم، لأنّ أنْ تنقص المرأة من دينها أي أن تفرط وتقصر فتخل به، أما أن ينقص دينها مع إتمامها له على نقصانه ليس فيه ما تذم به، بل فيه من الرحمة بها والرأفة ما هو ظاهر، وإن كان فيه من نقصان الأجر والقربة ما هو ظاهر كذلك.

أما الرحمة والرأفة فلأن نقصان الدين يعني قلة التكاليف، وقلتها تعني يسره.

وأما الأجر والقربة فلأن المرأة لا تأخذ في أيام شهرها من أجر الصلوات ما يأخذ الرجل. وإن لم تكن قد حرمت كل الأجر كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا كان العبد يعمل عملاً صالحاً فشغله عنه مرض أو سفر، كُتِب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم). لكن ليس هو كأجر من اجتهد فتحقق منه العمل، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم للفقراء الذين غبطوا الأغنياء على ما فُضّلوا به من الصدقة بفضائل أموالهم وهم يتمنون أن يفعلوا كما يفعلون، قال لهم: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) رواه الإمام مسلم.

ثم يحصل لها من النقص بترك الصلاة والصوم كذلك ما يترتب عليهما من الخشوع وقرب القلب، كما قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة) وقال تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وقال: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) وقال رسوله صلى الله عليه وآله وسلم: (والصوم جنة) أي من المعاصي، والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

وعلى هذا نقول أن للرجال مطلق فضل قد فضلهم الله به على النساء، وهو زيادة دينهم على دينهن.

ومثَل هذه الزيادة كزيادة دين الغني على الفقير أن وجبت عليه الزكاة واستحبت له الصدقات واستطاع الجهاد بماله وغير ذلك. وكذلك زيادة إيمان العالم على الجاهل، لما شرع له الله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة والجهاد باللسان والتعليم وغير ذلك. وكذلك زيادة دين ولاة الأمر على الرعية، لما شرع الله لهم من السلطان وإقامة الحدود وإصلاح الشؤون وغير ذلك. فتفضيل دين الرجل على دين المرأة كتفضيل دين أولئك على دين أولئك. ولذلك فللأنبياء من الدين ما لا يكون لمثله من غيرهم، لما فضلهم الله تعالى به من الخصائص والفضائل.

وعليه فقد يزيد دين المرأة العالمة الغنية ذات الجاه على دين الرجل الفقير الجاهل الضعيف. وهذا فضل مطلق، لكن قد يكمّل هذا الرجل الجاهل دينه الناقص، فيكون في عليين، بينما تضيّع المرأة العالمة دينها الزائد فتكون في السافلين.

ولعل المثال الذي يوضح ذلك هو ما تراه العيون. فلو أتيت بإناءين، أحدهما سعته لتر، والآخر سعته لتر وربع فهو أكبر، ثم صببت في ذي اللتر تُسعَه قربَ أن يمتلئ، وصببت في الآخر ثمن لتر قرابة ثلاثةِ أرباعه. فالإناء الصغير كمثل ذي الدين الناقص، ثم قد يمتلئ أو ينتصف أو يفرغ. والإناء الكبير كمثل ذي الدين الكامل، ثم قد يمتلئ كذلك أو ينتصف أو يفرغ. والماء كالإيمان، قد يكثر في الإناء حتى يملأه وقد يفرغ الإناء منه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير