و حفاظها، عبد القادر الأرنؤوط – رحمه الله رحمة واسعة -.
لقد كان الخبر صادقا، و لصدقه أفجعنا و ملأ قلوبنا حزنا؛ لأن الذي أخبرت بوفاته هو من عرفته عن قُرب و مجالسة طويلة:
1 - الرجل الغيور على سنة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم، الذي عمَّر وقته كتابة و تدريسا و خطابة و هو يميز للأمة صحيح السنن و الآثار من ضعيفها و يفقههم في معانيها، و يسعى في نشر كتب السنة و غيرها ...
و لقد أخرج لطلبة العلم و العلماء و المثقفين ما يزيد عن خمسين كتابا بين صغير و كبير ...
2 - الرجل الذي يحمل هموم الأمة كلها في قلبه، فلا تحل بالأمة واقعة إلا و ترى ذلك باديا عليه، في أحاديثه و أحواله.
3 – إنه الرجل القوال بالحق، الصادع به، الذي – عرفته الشام – لا يخشى في الله لومة لائم، فلا مداهنة عنده و لا مداراة، بل يصيح بالحق و يعلن به في حكمة عالية و أدب رفيع و خلق سامٍ، و لأجل صراحته هذه مُنع في السنوات الأخيرة من التدريس و الخطابة.
4 – إنه صاحب المدرسة السلفية، التي جمعت بين صفاء العقيدة، و حسن السلوك، و لطافة العرض، و صدق الدعوة، و سلامة المنهج؛ لأن صاحبها كان كذلك، بل كان رحمه الله هو تلك المدرسة.
و مع هذا فقد كان رحمه الله إذا سئل: هل أنت سلفي؟ يجيب: أنا لا أقول عن نفسي إني سلفي، بل لا أملك ذلك، و إنما أحاول قدر ما أستطيع أن أعمل بمنهج السلف و أقوالهم، هذا و هو المتبع لآثار سلف الأمة حقيقة: عقيدة و خلقا و فقها و منهجا ..
هذا هو شيخنا و معلمنا عبد القادر الأرنؤوط، بهذا عرف و اشتهر، و اسمه في الأوراق الثبوتية: قدْري بن صوقل بن عبدول بن سنان ..
و الأرنؤوط جنس تندرج تحته شعوب كثيرة: الألبان و اليوغسلاف و غيرهم ..
ولد شيخنا العلامة الحافظ، المحدث الفقيه المتبصر، الحكيم الورع، و الداعية النبيل – نحسبه كذلك و لا نزكيه على ربنا – بقرية فريلا من إقليم كوسوفا من بلاد الأرنؤوط سنة 1347 هـ - يعني عام 1928 م.
وقد هاجر شيخنا إلى دمشق بصحبة والده و بقية عائلته و سنه ثلاث سنوات من جراء اضطهاد المحتلين الصرب – أذلهم الله - للمسلمين الألبان، و بقي عمه الشيخ نذير هناك مع بقية العائلة يجاهد الصرب.
فما إن وصل دمشق حتى أخذه والده إلى مساجدها، و أجلسه إلى علمائها، ينهلُ من علومهم و معارفهم، في جميع علوم الشريعة و العربية و، فأخذ عن العلماء الأرنؤوطيين الذين هاجروا إلى الشام في تلك الفترة، أمثال: الشيخ ملا باختياري، المشهور بحمدي الأرنؤوط، و الشيخ نوح نجاتي الألباني – والد العلامة الألباني – و الشيخ سليمان غاوجي الألباني.
كما أخذ عن غيرهم؛ كالشيخ صبحي العطار و الشيخ محمود فايز الدير عطاني حيث قرأ عليهما القرآن كله مجودا، و قد كان الشيخ محمود يقول عنه – وهو غلام-: هذا الغلام قراءته سليقية.
كما لزم الشيخ سعيد الأحمر التلي الأزهري الساعاتي مدة خمس سنوات، أخذ عنه علوم الشريعة و اللغة، كما أخذ عنه أيضا مهنة تصليح الساعات.
و لما رأى نبوغه وحرصه على العلم، و جهه للمسجد الأموي و ساعده بالمال و قال له: يا بني أنت لا تصلح إلا للعلم.
كما لزم الشيخ محمد صالح الفرفور مدة عشر سنوات، فقرأ عليه خلالها: متن الطحطاوي و نور الإيضاح و مراقي الفلاح و حاشية ابن عابدين و غيرها، كذلك قرأ عليه في فنون العربية و التفسير.
قال عنه شيخنا: أخذت عنه العلم، وتعلمت منه خوف الله تعلى.
كما أخذ أيضا على خيرة علماء الشام آنذاك، العلامة الكبير محمد بهجت البيطار، فكانت له به صلات و اجتماعات، و كان يقول له: (أنت يا بني، مشربك من مشربنا، فأرى أن تدرس مكاني).
و هذا الذي حصل، فقد استمر الشيخ يدرس كتب العلم في جامع الدقاق و جامع الشربجي بعد وفاة العلامة البيطار، و كان صورة من شيخه البيطار.
قال لي مؤذن الشيخ البيطار: (من أراد أن ينظر إلى الشيخ بهجت البيطار فلينظر إلى الشيخ عبد القادر، فإنه أشبه بسمته، فهو نسخة منه في الأخلاق و حسن المعاملة).
¥