هذا، و لقد استفاد باجتماعه بخيرة علماء تلك الفترة، من أمثال ابن باز علي الطنطاوي و محمد أمين المصري و الألباني وابن مانع و الرفاعي و عبد الرحمن الباني و محمد بن لطفي الصباغ و غيرهم ممن كان يجالسهم و يجتمع بهم - رحم الله الأموات منهم و حفظ الأحياء -.
كما تأثر بأخلاق العالم المربي الأستاذ عبد الرحمن الباني حفظه الله، و كان يقول عنه: إنه يمثل أخلاق السلف.
و لقد رزق الله تعالى شيخنا رحمه الله منذ صغره حافظة قوية، فكان يحفظ في فترة الاستراحة زمن دراسته في مدراس دمشق خمسة أحاديث، و قد قرأ أول ما قرأ " صحيح مسلم " ثم أقبل على بقية الكتب الستة.
و كان كثيرا ما كان يكرر علينا مقولة بشر بن الحارث الحافي: (يا أصحاب الحديث، أدوا زكاة الحديث، قالوا: و ما زكاته؟ قال: أن تعملوا من كل مئتي حديث بخمسة أحاديث).
قلت: و هذا الأثر أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 337)، و الرافعي في التدوين (2/ 427) – و اللفظ له – و البيهقي في الشعب (1805) و هو صحيح عنه.
و قد حفظ الله له ذلك فاستمر عليها إلى آخر أيام عمره رحمه الله.
و معروف لدى المقربين من الشيخ: أنه رحمه الله كان مبرزا في الحفظ، فهو حافظ من الحفاظ، لا يكاد يسوق الحديث إلا و يأتي به بلفظه كاملا.كما إن الدهشة تصيبك مما تراه من سرعة استخراجه للحديث من الكتب الحديثية؟.
فإني – بفضل الله - كنت أجالس الشيخ طويلا في مكتبته العامرة، فيدخل عليه صنوف الناس يسألونه عن صحة أحاديث من ضعفها، فكان الشيخ موسوعةً في استحضار الأحاديث و حسن استخراجها من مظانها ... يمدُّ يده إلى الكتاب، فيخرج منه الحديث المسؤول عنه بسرعة عجيبة – رحمه الله -.
هكذا حصَّل العلوم على طريقة السلف الماضين في ثني الركب بين يدي العلماء، و الجِدِّ في تحصيل العلوم بسهر الليالي و حفظ الأوقات.
و قد حصل منهم الأدب قبل العلم، حتى صار إماما في التواضع و حسن الخلق – شهد له بذلك الموافق و المخالف -.
فهو رحمه الله جواد كريم، يحب العطاء، لم أر مثله في هذا -و إن كان له نظائر – بحمد الله -، لا يرد أحدا من المحتاجين، كم و كم رأيناه يعطي طلبة العلم و ينفق عليهم، و بالأخص الغرباء منهم بل و ممن لا يعرفهم بعلم و لا حاجة، والقصص في هذا كثيرة جدا.
فهو كريمٌ يكرم جلساءه بما عنده من طيِّب الكلام قبل طيب الطعام، يظن الجالس عنده أنه سيد الجلسة، و أنه الأقرب إلى قلب الشيخ و نظره، هكذا يحس الجالسون بين يديه.
متواضع غاية التواضع، لا يجد الكبر إلى قلبه سبيلا، يأخذ بأيدي تلاميذه في ذهابه و إيابه، يناقش العلم معهم بلا تعال و لا رفع صوت.
محبٌّ للعلماء، لا يذكرهم إلا بخير، لا سيما من كان معظما للسنة، ساع في الخير، لا يخلو بيته في أي يوم من متنازعين، يأتون إليهم فيصلح بينهم.
كان أمارا بالمعروف، نهاءا عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم.
و كان صابرا محتسبا على ما يلاقيه من أذى، فلم يخرج من بلاد الشام و لم يهاجر منها كما هاجر غيره، بل بقي يدعو و ينصح و يعلم.
و الله ثم و الله ثم والله، لو كتبت ما كتبت عن شيخنا رحمه الله لما وفَّت كتابتي ببعض خلاله، فهو أعظم من أن يصفه قلمي - هكذا أحسبه و لا أزكيه على ربي- و هكذا حسبه غيري ممن رآه.
*********************
و بعد مرحلة التلقي و الأخذ عن العلماء = تفرَّغ الشيخ رحمه الله للدعوة و التعليم، فتقلد الخطابة و سنه عشرون سنة،ففي عام1369 هـ - 1948 خطب الشيخ بجامع الديوانية البرانية، و بقي فيه مدة 15عامًا، ثم انتقل إلى جامع عمر بن الخطاب الذي أنشأه،و هكذا من جامع إلى آخر حتى جاء الأمر بمنعه من الخطابة و التدريس عام 1994.
و شيخنا رحمه الله من أبلغ الخطباء و أقدرهم على الخطابة، يشدك بكلامه و أسلوبه في التعبير، فلا ترى الناس إلا محدقين تجاهه، مأخوذين بعباراته و إشاراته – وما أكثرها – رحمه الله –
عمل الشيخ مدرسا بين عامي 1952 و 1959 في مدرسة الإسعاف الخيري التي درس فيها، و قد أدرك فيها شيخه في التجويد: المقرئ صبحي العطار.
4 – و في سنة1381 - 1960 انتقل إلى المعهد العربي الإسلامي فدرس فيه القرآن و الفقه.
ثم انتقل إلى معهد الأمينية و منه إلى معهد المحدث الشيخ بدر الدين الحسني.
¥